اعادة الاعتبار لابن تيمية
د. محمد عمارة :
لقد كان شيخ
الإسلام ابن تيمية {661 ـ 728هـ / 1263 ـ 1328م} فيلسوفًا للسلفية
الإسلامية ، وصاحب مشروع فكري متكامل ، قدم فيه فقهه لأحكام الإسلام
وفلسفته ، ولواقع الأمة الإسلامية وحضارتها في عصره ، وللفكر العالمي الذي
كان قد وفد على العقل المسلم منذ قرون..
ولذلك ، كانت النظرات الجزئية
والمجتزأة لهذا المشروع التجديدي المتكامل ـ الذي أبدعه ابن تيمية ـ والتي
غفل أصحابها عن رؤية المعالم المتكاملة له.. وراء سوء الفهم وسوء الظن بهذا
الإمام العظيم .. سواء من بعض معاصريه .. أو حتى في العصر الذي نعيش نحن
فيه..
نعم .. لقد كان ابن تيمية ـ ومشروعه الفكري التجديدي ـ ولا يزال
في حاجة ماسة إلى "العين الّلامة" التي تحيط بمعالمه الكاملة ، والتي تفقهه
في ضوء العصر الذي اكتمل فيه ، والتي تميز فيه بين "المنهج" وبين
"التطبيقات".. وبين "الأصول ـ الثوابت" وبين "الفروع ـ المتغيرة".. وذلك
إنصافًا لهذا الإمام العظيم من المتعصبين له والمتعصبين ضده جميعًا!.. وحتى
تنقشع السحب عن عبقريته الإسلامية الفذة ، فيعود إلى موقعه المناسب من
إمامة الصحوة الإسلامية المعاصرة ، مع غيره من أقرانه ومن تلاميذه الأئمة
والأعلام.
لقد ارتفعت الكثير من "سحب الأوهام" حول فكر ابن تيمية ، فحجبت ـ أو كادت ـ حقائق فكر هذا الإمام العظيم .. حتى ظنه البعض :
• عدوًا للعقل.. وكارثة على العقلانية
• وضيّق الصدر بالاختلاف.. يكفّر المخالفين !..
حتى
رأينا ـ في واقعنا المعاصر ـ من سمي نفسه "فيلسوف العلمانية" ينعت شيخ
الإسلام ابن تيمية بأنه إمام الرجعية .. وزعيم الإرهابيين!!.. ورأينا من
أدعياء التصوف من يصفه "بالخبيث .. المكذب لرب العالمين"!!.
نعم.. حدث
كل هذا الخلط وسوء الفهم ـ مع افتراض حسن النية ـ بسبب غيبة الرؤية
المتكاملة لفكر ابن تيمية ومشروعه التجديدي ، وفقهه في ضوء العصر الذي عاش
فيه.. والتحديات التي واجهت العقل المسلم في ذلك التاريخ ـ داخلية كانت أو
خارجية هذه التحديات ـ ..
إن خصوم ابن تيمية لم يفقهوا ما أبدعه في
العقلانية الإسلامية المتميزة.. وما قدمه من "نظرية" متكاملة في علاقة
التكامل بين المعقول والمنقول.. ذلك الإبداع الذي يمثل "ديوانًا في
العقلانية المؤمنة" ، والذي نشير إلى "عنوانه" في هذه السطور التي يقول
فيها :
"إن ما عُرف بصريح المعقول لا يتُصوَّر أن يعارضه منقول صحيح قط.
ولقد تأملت ذلك في عامة ما تنازع الناس فيه فوجدت ما خالف النصوص الصحيحة
شبهًا في فاسدة يُعلم بالعقل بطلانها ، بل يُعلم بالعقل ثبوت نقيضها
الموافق للشرع. وهذا تأملته في مسائل الأصول الكبار ، كمسائل التوحيد
والصفات ومسائل القدر والنبوات والمعاد ، وغير ذلك.
ووجدت ما يُعلم
بصريح العقل لم يخالفه سمع قط ، بل السمع الذي يقال إنه يخالفه إما حديث
موضوع أو دلالة ضعيفة فلا يصلح أن يكون دليلاً لو تجرد عن معارضة العقل
الصريح ، فكيف إذا خالفه صريح المعقول؟.
ونحن نعلم أن الرسل لا يخبرون
بمجالات العقول ، بل يخبرون بمجازات العقول ، فلا يخبرون بما يعلم العقل
انتفاءه ، بل يخبرون بما يعجز العقل عن معرفته"..
هكذا حسم ابن تيمية قضية المؤاخاة بين الحكمة العقلية وبين الشريعة النقلية ، فكان فيلسوفًا مسلمًا من طراز فريد.