الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .. وبعد :
فهذه
نتف من كلام شيخ الإسلام وشامة الشام الإمام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية
الحراني الدمشقي - رحمه الله - في الإمام جعفر بن محمد المعروف بجعفر
الصادق - رحمه الله - وذلك ليعلم الحق و ينصف العالم ، والله الهادي إلى
سواء السبيل .
وسأذكر كلام شيخ الإسلام - رحمه الله - في هذه
القضية ليتبين من خلاله محبة شيخ الإسلام - رحمه الله - ، لجعفر الصادق -
رحمه الله - ، وذلك خلافا لما ينسبه إليه الرافضة من أنه يبغضه ، ويبغض آل
البيت - رحمهم الله جميعا ورضي عنهم - .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية الحراني رحمه الله تعالى :
" والإسماعيلية والقرامطة والباطنية الثنوية والحاكمية وغيرهم من الضلالات
المخالفة لدين الإسلام ، وما ينسبونه إلى علي بن أبى طالب ، أو جعفر
الصادق ، أو غيرهما من أهل البيت ، كالبطاقة والهفت والجدول والجفر وملحمة
بن عنضب وغير ذلك من الأكاذيب المفتراة باتفاق جميع أهل المعرفة ، وكل هذا
باطل فإنه لما كان لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم به اتصال النسب
والقرابة ، وللأولياء الصالحين منهم ومن غيرهم به اتصال الموالاة والمتابعة
، وصار كثير ممن يخالف دينه وشريعته وسنته يموه باطله ويزخرفه بما يفتريه
على أهل بيته وأهل موالاته ومتابعته ، وصار كثير من الناس يغلو إما في قوم
من هؤلاء أو من هؤلاء ، حتى يتخذهم آلهة أو يقدم ما يضاف إليهم على شريعة
النبي وسنته ، وحتى يخالف كتاب الله وسنة رسوله وما اتفق عليه السلف الطيب
من أهل بيته ومن أهل الموالاة له والمتابعة وهذا كثير في أهل الضلال " .
كتاب مجموع الفتاوى ، الجزء 11 ، صفحة 55
وقال أيضا رحمه الله :
فإنه قد كذب على جعفر الصادق - رضى الله عنه - ما لم يكذب على غيره ، وكذلك
كذب على علي رضى الله عنه وغيره من أئمة أهل البيت رضى الله عنهم " . كتاب
مجموع الفتاوى ، الجزء 2 ، صفحة 217 .
وقال أيضا : " وأما الكذب
والأسرار التي يدعونها عن جعفر الصادق فمن أكبر الأشياء كذبا ، حتى يقال ما
كذب على أحد ما كذب على جعفر - رضي الله عنه - ومن هذه الأمور المضافة
كتاب الجفر الذي يدعون أنه كتب فيه " . كتاب مجموع الفتاوى ، الجزء 4 ،
صفحة 78 .
وقال أيضا : " ومثل كتاب رسائل إخوان الصفا الذي صنفه
جماعة في دولة بني بويه ببغداد وكانوا من الصابئة المتفلسفة المتحنفة ،
جمعوا بزعمهم بين دين الصابئة المبدلين وبين الحنيفية ، وأتوا بكلام
المتفلسفة وبأشياء من الشريعة ، وفيه من الكفر والجهل شيء كثير ، ومع هذا
فإن طائفة من الناس من بعض أكابر قضاة النواحي يزعم أنه من كلام جعفر
الصادق وهذا قول زنديق وتشنيع جاهل " . كتاب مجموع الفتاوى ، الجزء 4 ،
صفحة 79 .
فتأمل يا رعاك الله أن شيخ الإسلام رحمه الله في كلامه
السابق يدافع عن جعفر الصادق ، وكذا عن علي رضي الله عنهما ، وينفي عنهما
الكذب الذي نسب إليهما مما فيه مخالفة صريحة لكتاب الله سبحانه وتعالى
ولسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وقد بين الشيخ أن من ينسب تلك
الأقوال إليهم كذبا وزورا إنما هو صاحب باطل يريد أن يزخرف لباطله بما
ينسبه إليهم ، أو أنه لم يوفق للصواب ، فصدق تلك الأكاذيب فبنى مذهبه عليها
ظانا أنه على الحق ، وزعم أنه على مذهب آل البيت رضوان الله عليهم .
وصنيع شيخ الإسلام هذا هو الحب الحقيقي لآل البيت ، وليس الحب الحقيقي بأن
ينسب لآل البيت عقائد مخالفة للقرآن والسنة كالقول بتحريف القرآن ، ثم
يقول إنني أحب آل البيت ، ولذا فأنا الذي أتبع مذهبهم ... ، وهو إنما يتبع
ما نسب إليهم من كذب ... ، فمن الصادق في المحبة ؟ .
وقال أيضا
رحمه الله : " وكذلك ما يذكر في دمشق من قبور أزواج النبي - صلى الله عليه
سلم - وإنما توفين بالمدينة النبوية ، وكذلك ما يذكر في مصر من قبر علي بن
الحسين أو جعفر الصادق أو نحو ذلك ، هو كذب باتفاق أهل العلم ، فإن علي بن
الحسين وجعفر الصادق إنما توفيا بالمدينة ، وقد قال عبد العزيز الكناني
الحديث المعروف : ليس في قبور الأنبياء ما ثبت إلا قبر نبينا ، قال غيره :
وقبر الخليل أيضا ، وسبب اضطراب أهل العلم بأمر القبور أن ضبط ذلك ليس من
الدين فإن النبي قد نهى أن تتخذ القبور مساجد فلما لم يكن معرفة ذلك من
الدين لم يجب ضبطه " . كتاب مجموع الفتاوى ، الجزء 4 ، صفحة 516 .
فلاحظ أن ضرورة ضبط القبور ، وما يتبعه من أمور كجعلها مساجد وتعظيمها ،
والبناء عليها وتجصيصها ، والذبح لها وتقديم القرابين ونحو ذلك ليس من دين
الإسلام ، وإنما نهى الإسلام عن البناء عليها وتجصيصها ونحو ذلك ، وهو
الموافق لمعتقد آل البيت ، كما جاء في الكافي وغيره أن النبي - صلى الله
عليه وسلم - بعث عليا - رضي الله عنه - : أن لا يدع صورة إلا طمسها ولا
قبرا مشرفا إلا سواه ... الحديث [ الكافي 6/528 ] .
وأنت ترى في
كلام شيخ الإسلام الإشارة إلى هذا ، وأن جملة من القبور المنسوبة إلى بعض
الصالحين غير صحيح ، فلو كان أمرا مشروعا لكان أمرا بينا لا يختلف فيه
اثنان ، فتأمل .
وقال أيضا رحمه الله : " وكذلك ما يأثره أبو عبد
الرحمن عن بعض المتكلمين فى الطريق أو ينتصر له من الأقوال والأفعال
والأحوال ، فيه من الهدى والعلم شيء كثير ، وفيه أحيانا من الخطأ أشياء ،
وبعض ذلك يكون عن اجتهاد سائغ ، وبعضه باطل قطعا ، مثل ما ذكر في حقائق
التفسير قطعة كبيرة عن جعفر الصادق وغيره ، من الآثار الموضوعة ، وذكر عن
بعض طائفة أنواعا من الإشارات التي بعضها أمثال حسنة واستدلالات مناسبة
وبعضها من نوع الباطل واللغو " كتاب مجموع الفتاوى ، الجزء 11 ، صفحة 42 .
فبالله عليك أليس هذا من الإنصاف ، وأن ما ينسب إلى جعفر الصادق - رحمه
الله - منه ماهو صحيح ، ومنه ماهو كذب وهو الكثير ، فمن الذي أنصف آل البيت
؟ ..
وقال أيضا : " ولهذا كان أعظم الأبواب التى يدخلون منها :
باب التشيع والرفض ، لأن الرافضة هم أجهل الطوائف وأكذبها وأبعدها عن معرفة
المنقول والمعقول ، وهم يجعلون التقية من أصول دينهم ويكذبون على أهل
البيت كذبا لا يحصيه إلا الله ، حتى يرووا عن جعفر الصادق أنه قال : "
التقية ديني ودين آبائي " و التقية هي شعار النفاق ، فإن حقيقتها عندهم أن
يقولوا بألسنتهم ما ليس في قلوبهم وهذا حقيقة النفاق ، ثم إذا كان هذا من
أصول دينهم صار كل ما ينقله الناقلون عن علي أو غيره من أهل البيت مما فيه
موافقة أهل السنة والجماعة يقولون هذا قالوه على سبيل التقية ثم فتحوا باب
النفاق للقرامطة الباطنية " . كتاب مجموع الفتاوى ، الجزء 13 ، صفحة 263 .
فأنت ترى أن غرض الشيعة إنما هو مخالفة أهل السنة وليس اتباع مذهب آل
البيت حقيقة ، وإلا لقبلوا ما ينقل عن آل البيت مما هو ثابت عنهم ، والذي
هو بلا شك موافق لمذهب أهل السنة والجماعة وخاصة في الاعتقاد .
وقال أيضا رحمه الله : " فمنهم من يعتمد على جدول يزعمون أن جعفر الصادق
دفعه إليهم ، ولم يأت به إلا عبد الله بن معاوية ، ولا يختلف أهل المعرفة
من الشيعة وغيرهم أن هذا كذب مختلق على جعفر اختلقه عليه عبد الله هذا ،
وقد ثبت بالنقل المرضي عن جعفر وعامة أئمة أهل البيت ما عليه المسلمون وهو
قول أكثر عقلاء الشيعة " . كتاب مجموع الفتاوى ، الجزء 25 ، صفحة 179 .
فهل أدركت بعد هذا كله أن جعفر الصادق - رحمه الله - كُذِبَ عليه كما ذكرت
لك ، وأن شيخ الإسلام إنما هو من أشد المدافعين عنه حقيقة لا ادعاء أجوفا
.. ، ولكن إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ..
قال رحمه الله : " ونحن نعلم من أحوال أئمتنا أنه قد أضيف إلى جعفر الصادق
- وليس هو بنبي من الأنبياء - من جنس هذه الأمور ما يعلم كل عالم بحال
جعفر رضى الله عنه أن ذلك كذب عليه ، فإن الكذب عليه من أعظم الكذب حتى نسب
إليه أحكام الحركات السفلية ، كاختلاج الأعضاء وحوادث الجو من الرعد
والبرق والهالة وقوس الله الذي يقال له قوس قزح وأمثال ذلك ، والعلماء
يعلمون أنه بريء من ذلك كله ، وكذلك نسب إليه الجدول الذي بنى عليه الضلال
طائفة من الرافضة ، وهو كذب مفتعل عليه افتعله عليه عبد الله بن معاوية أحد
المشهورين بالكذب مع رياسته وعظمته عند اتباعه ، وكذلك أضيف إليه كتاب
الجفر والبطاقة والهفت ، وكل ذلك كذب عليه باتفاق أهل العلم به ، حتى أضيف
إليه رسائل إخوان الصفا ، وهذا في غاية الجهل ، فإن هذه الرسائل إنما وضعت
بعد موته بأكثر من مائتي سنة ، فإنه توفي سنة ثمان وأربعين ومائة ، وهذه
الرسائل وضعت في دولة بنى بويه في أثناء المائة الرابعة في أوائل دولة بنى
عبيد الذين بنوا القاهرة ، وضعها جماعة وزعموا أنهم جمعوا بها بين الشريعة
والفلسفة فضلوا وأضلوا ، وأصحاب جعفر الصادق الذين أخذوا عنه العلم ، كمالك
بن أنس ، وسفيان بن عيينة ، وأمثالهما من الأئمة ، أئمة الإسلام براء من
هذه الأكاذيب ، وكذلك كثير ما يذكره الشيخ أبو عبد الرحمن السَلَمي في كتاب
"حقائق التفسير" عن جعفر من الكذب الذي لا يشك في كذبه أحد من أهل المعرفة
بذلك .. ، وكذلك كثير من المذاهب الباطلة التي يحكيها عنه الرافضة ، وهي
من أبين الكذب عليه ، وليس في فرق الأمة أكثر كذباً واختلاقاً من الرافضة
من حين نبغوا ، فأول من ابتدع الرفض كان منافقاً زنديقاً يقال له : عبد
الله بن سبأ ، فأراد بذلك إفساد دين الإسلام كما فعل "بولص" صاحب الرسائل
التي بأيدي النصارى ، حيث ابتدع لهم بدعاً أفسد بها دينهم ، وكان يهوديا
فأظهر النصرانية نفاقا فقصد إفسادها ، وكذلك كان ابن سبأ يهوديا فقصد ذلك "
مجموع فتاوى شيخ الإسلام 35/183 ، وانظر أيضا : منهاج السنة 4/54 .
وقال أيضا رحمه الله : " ولم يكذب على أحد ما كذب على جعفر الصادق مع
براءته ، كما كذب عليه فنسب إليه علم البطاقة والهفت والجدول واختلاج
الأعضاء ومنافع القرآن والكلام على الحوادث وأنواع من الإشارات في تفسير
القرآن وتفسير قراءة السورة في المنام ، ,كل ذلك كذب عليه ... " منهاج
السنة 7/534 .
وقال أيضا رحمه الله : " والنفاق والزندقة في
الرافضة أكثر منه في سائر الطوائف ، بل لا بد لكل منهم من شعبة نفاق ، فإن
أساس النفاق الذي بني على الكذب ، وأن يقول الرجل بلسانه ما ليس في قلبه ،
كما أخبر الله تعالى عن المنافقين أنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ،
والرافضة تجعل هذا من أصول دينها وتسميه التقية ، وتحكي هذا عن أئمة أهل
البيت الذين برأهم الله عن ذلك ، حتى يحكوا عن جعفر الصادق أنه قال التقية
ديني ودين آبائي ، وقد نزه الله المؤمنين من أهل البيت وغيرهم عن ذلك ، بل
كانوا من أعظم الناس صدقا وتحقيقا للإيمان ، وكان دينهم التقوى لا التقية
وقول الله تعالى : { لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن
يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة } . " منهاج السنة
2/ 46 .
وقال أيضا : فالآفة وقعت من الكذابين عليه لا منه ... ، وحتى كل من أراد أن ينفق أكاذيبه نسبها إلى جعفر ... " منهاج السنة 4/54 .
وفيما سبق يتبين لك أن كلام شيخ الإسلام في الرافضة ليس هو لاتباعهم أهل
البيت كما يزعمون ، ولكن لكذبهم على آل البيت ، ومن ثم اتباعهم لهذا الكذب
وتسميته بمذهب آل البيت !! .
ومما يستفاد من كلامه أيضا رحمه الله :
- كثرة الكذب على آل البيت عموما ، وعلى جعفر - رحمه الله - خصوصا ، وهو
بريء من هذا الكذب والبهتان .. ، والآفة من هؤلاء الكذابين عليه ، لا منه -
رحمه الله - .
- أن أئمة آل البيت - رحمهم الله - من أعظم الناس صدقا وتحقيقا للإيمان ، وكان دينهم التقوى لا التقية التي هي النفاق تعينه ..
- أن الذين أخذوا العلم الصحيح عن أئمة آل البيت - رحمهم الله -كجعفر
الصادق - رحمه الله - ، ولم يقبلوا إلا ما صح عنهم ، هم أئمة السلف من أهل
السنة والجماعة ، كمالك بن أنس وسفيان بن عيينة - رحمهما الله - ، وهم براء
من هذه الأكاذيب .
- أن أهل السنة والجماعة يجلون الأئمة من آل
البيت ، ولكنهم لا يعتقدون بعصمة الأئمة ، فجعفر الصادق - رحمه الله -
وغيره ليسوا معصومين ، وإنما العصمة للأنبياء ، وذلك ضرورة تبليغ الرسالة
... ، ومن ثم يعلم أن كثيرا مما ينسب إلى جعفر الصادق - رحمه الله - لا يصح
عنه ، لاختصاصه بمن يشرع عن الله ، وإلى هذا أشار الشيخ بقوله : " وليس هو
بنبي من الأنبياء " .
- أن أرباب الضلال كالرافضة ، بنوا مذهبهم
على هذه الأكاذيب ، ثم سموها بمذهب آل البيت وتعصبوا لها ، وحاولوا إثباتها
بأي وسيلة أو طريقة ، وكل من أراد أن ينفق أكاذيبه نسبها إلى جعفر الصادق -
رحمه الله - .
- أن الرافضة بنوا مذهبهم على أساس من أسس النفاق ،
وهو الكذب المسمى عندهم بالتقية ، وذلك بأن يقول بلسانه ما هو مخالف لما
في قلبه وذلك خوفا من افتضاح أمره ، أو حفاظا على المذهب كما قال بعض
أئمتهم ، وقد أخبر الله عن المنافقين أنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في
قلوبهم ، وأئمة آل البيت براء من هذه العقيدة الفاسدة .
وثمت فوائد أخرى من كلامه رحمه الله أعرضت عنها خشية الإطالة .
وقد كذب الرافضة على جعفر - رحمه الله - حتى في نقلهم عنه تفسير القرآن ،
فكذبوا في تفسير القرآن ثم نسبوا هذا التفسير له ، وإلى هذا سبقت الإشارة
في كلام شيخ الإسلام ، وذكره في غير هذا الموضع فمثلا :
قال رحمه
الله : " وما ينقل في حقائق السلمي من التفسير عن جعفر الصادق ، عامته كذب
على جعفر ، كما قد كذب عليه غير ذلك كما تقدم .. " منهاج السنة 8/ 43 .
وقال أيضا رحمه الله : " وقال جعفر الصادق في قوله : ( ثم دنا فتدلى ) [
سورة النجم 8 ] من توهم أنه بنفسه دنا جعل ثم مسافلة ، وإنما تدنى أنه كلما
قرب منه بعده عن أنواع المعارف إذ لا دنو ولا بعد ، قلت : هذا الكلام
وأشباهه مما اتفق أهل المعرفة على أنه مكذوب على جعفر مثل كثير من الإشارات
التي ذكرها عنه أبو عبد الرحمن في "حقائق التفسير" والكذب على جعفر كثير
منتشر ، والذي نقله العلماء الثقات عنه معروف يخالف رواية المفترين عليه
... " الاستقامة 1/191 .
وقد نسبوا له أيضا أقوالا في تفسير القرآن
بالباطن ، وأن له ظاهرا وباطنا ، ولذا قال الشيخ رحمه الله : " وهؤلاء
المدعون للباطن ... " الفتاوى الكبرى 4/276 . وذلك إنما هو كذب عليه .
وقال رحمه الله : " والمقصود هنا أن يقال لهذا الإمامي وأمثاله : ناظروا
إخوانكم هؤلاء الرافضة في التوحيد ، وأقيموا الحجة على صحة قولكم ، ثم
ادعوا إلى ذلك ، ودعوا أهل السنة والتعرض لهم ، فإن هؤلاء يقولون : إن
قولهم في التوحيد هو الحق وهم كانوا في عصر جعفر الصادق وأمثاله ، فهم
يدَّعُون أنهم أعلم منكم بأقوال الأئمة لا سيما وقد استفاض عن جعفر الصادق
أنه سئل عن القرآن أخالق هو أم مخلوق فقال ليس بخالق ولا مخلوق ولكنه كلام
الله ، وهذا مما اقتدى به الإمام أحمد في المحنة فإن جعفر بن محمد من أئمة
الدين باتفاق أهل السنة " . منهاج السنة 2/ 245
وقال : " ... ولهذا
كانت الإمامية لا تقول إنه مخلوق لما بلغهم نفي ذلك عن أئمة أهل البيت ،
وقالوا : إنه محدث مجعول ، ومرادهم بذلك أنه مخلوق ، وظنوا أن أهل البيت
نفوا أنه غير مخلوق أي مكذوب مفترى ، ولا ريب أن هذا المعنى منتف باتفاق
المسلمين ، من قال إنه مخلوق ، ومن قال إنه غير مخلوق ، والنزاع بين أهل
القبلة إنما كان في كونه مخلوقا خلقه الله أو هو كلامه الذي تكلم به وقام
بذاته ، وأهل البيت إنما سئلوا عن هذا وإلا فكونه مكذوبا مفترى مما لا
ينازع مسلم في بطلانه ، ولكن الإمامية تخالف أهل البيت في عامة أصولهم ،
فليس في أئمة أهل البيت مثل علي بن الحسين وأبي جعفر الباقر وابنه جعفر بن
محمد الصادق من كان ينكر الرؤية أو يقول بخلق القرآن أو ينكر القدر أو يقول
بالنص على علي أو بعصمة الأئمة الاثني عشر أو يسب أبا بكر وعمر " منهاج
السنة 2/ 368
فنحن نقول للرافضة إن كنتم صادقين في زعمكم محبة آل
البيت ، فاتبعوا مذهبهم الصحيح في الاعتقادات وفي العبادات وفي الصحابة ،
وغير ذلك مما هو معلوم لمن أنصف آل البيت مذهبهم ، وردوا على من خالف ذلك
من أبناء جلدتكم ، أم هو التستر باتباعهم للطعن في الإسلام .. ؟ .
وأنت هنا ، أن شيخ الإسلام أكد على قضية مهمة وهي أن أهل السنة عاشوا زمن
جعفر الصادق وأمثاله من العلماء - رحمهم الله - ، وأنهم يدعون أنهم أعلم
بأقوال الأئمة من هؤلاء الشيعة ، ولذا فمذهب أهل السنة هو القول الحق ، وهو
الذي درجوا عليه ، وقد مثل الشيخ بقول الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله -
في القرآن ، وأنه اقتدى في ذلك بجعفر الصادق - رحمه الله - .
أما
مجرد ادعاء حب آل البيت ، فليس كافيا في الحكم بصحة عقائد من يدعي حبهم وهو
في الحقيقة مخالف لما هم عليه من العقائد ، وإن كذب ونسب تلك العقائد لهم ،
ومن الأمثلة على ذلك ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله في كلامه الآتي :
قال رحمه الله : " ... قوم إذا ذكروا عليا يردون السلام على السحاب ، فهذا
بعض ما نقله الأشعري وغيره عنهم ، وهو بعض ما فيهم من هذا الباب ، فإن
الإسماعيلية والنصيرية لم يكونوا حدثوا إذ ذاك ، والنصيرية من نوع الغلاة ،
والإسماعيلية ملاحدة أكفر من النصيرية ، ومن شيعة النصيرية من يقول أشهد
أن لا إله إلا حيدرة الأنزع البطين ، ولا حجاب عليه إلا محمد الصادق الأمين
، ولا طريق إليه إلا سلمان ذو القوة المتين " منهاج السنة 2/ 512 .
فإذا تبين كثرة الكذب عليه ، علم أنه إنما كان من علماء السلف ، وأنه من
علماء أهل السنة والجماعة ، وهذا ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه
الله - قبل قليل حيث قال : " فإن جعفر بن محمد من أئمة الدين باتفاق أهل
السنة " . وتأمل في كلامه الآتي رحمه الله ففيه فوائد جمة .
قال
رحمه الله : " وجعفر الصادق رضي الله عنه من خيار أهل العلم والدين ، أخذ
العلم عن جده أبي أمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وعن
محمد بن المنكدر ونافع مولى ابن عمر والزهري وعطاء بن أبي رباح وغيرهم ،
وروى عنه يحيى بن سعيد الأنصاري ومالك بن أنس وسفيان الثوري وسفيان بن
عيينة وابن جريج وشعبة ويحيى بن سعيد القطان وحاتم بن إسماعيل وحفص بن غياث
ومحد بن إسحاق بن يسار " منهاج السنة 4/ 52 .
ومما ذكر الشيخ -
رحمه الله - في تلقي آل البيت للعلم ، قال رحمه الله : " ... وأيضا جعفر
الصادق أخذ عن أبيه وعن غيره كما قدمنا ، وكذلك أبوه أخذ عن علي بن الحسين
وغيره ، وكذلك علي بن الحسين أخذ العلم عن غير الحسين أكثر مما أخذ عن
الحسين ، فإن الحسين قتل سنة إحدى وستين وعلي صغير ، فلما رجع إلى المدينة
أخذ عن علماء أهل المدينة ، فإن علي بن الحسين أخذ عن أمهات المؤمنين عائشة
وأم سلمة وصفية وأخذ عن ابن عباس والمسور بن مخرمة وأبي رافع مولى النبي -
صلى الله عليه وسلم - ومروان بن الحكم وسعيد بن المسيب " منهاج السنة 7/
534 .
فهل بعد الحق إلا الضلال .. ، وهل جعفر الصادق - رحمه الله -
إلا عالم من علماء أهل السنة والجماعة ، أخذ العلم عمن سبقه بالسند المتصل
إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأخذه عنه من بعده ، وهكذا يؤخذ
العلم ، لا كما يزعم الرافضة الغالين في آل البيت - رضوان الله عليهم - .
وقال أيضا رحمه الله : " فان أبا حنيفة من أقران جعفر الصادق توفي الصادق
سنة ثمان و أربعين ومائة ، وتوفي أبو حنيفة سنة خمسين و مائة ، وكان أبو
حنيفة يفتي في حياة أبي جعفر والد الصادق ، وما يعرف أن أبا حنيفة أخذ عن
جعفر الصادق ولا عن أبيه مسألة واحدة ، بل أخذ عمن كان أسن منهما كعطاء بن
أبي رباح ، و شيخه الأصلي حماد بن أبي سليمان ، و جعفر بن محمد كان
بالمدينة " منهاج السنة 7/ 532
وكلامه - رحمه الله - واضح في أن
العلم يؤخذ بالتلقي عمن اشتهر بالعلم ، وجواز الفتوى لمن كان عنده علم ولو
وجد من هو أعلم منه ، ويبين لك أيضا أن محمد الباقر ، وابنه جعفر الصادق ،
وأبا حنيفة ، - رحمهم الله جميعا - من أهل العلم الذين يتلقى عنهم العلم ..
فلعلك أدركت شدة الكذب وكثرته على آل البيت - رحمهم الله - وخاصة
جعفر الصادق - رحمه الله - ، والأغرب من ذلك استحلال هؤلاء لكثير من
الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، ناهيك عن إيجاب العبادات وتحريم المحرمات ،
بناء على هذا الأساس من الكذب ، ولا شك أن اعتقاد كثير من هذه الأمور وإن
نسب لآل البيت كذبا عليهم ، أنه كفر بالله سبحانه ، بل من أعظم الكفر ،
لأنه ارتكاب لهذه الموبقات باسم الدين ، وكذب على الله سبحانه وتعالى ، وقد
بين شيخ الإسلام - رحمه الله - ذلك في كلامه الآتي .
قال رحمه
الله : " وهؤلاء المدعون للباطن لا يوجبون هذه العبادات ولا يحرمون هذه
المحرمات بل يستحلون الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، ونكاح الأمهات والبنات ،
وغير ذلك من المنكرات ، ومعلوم أن هؤلاء أكفر من اليهود والنصارى ، فمن
يكون هكذا كيف يكون معصوما ، وأما الأخبار ، فإنهم لا يقرون بقيام الناس من
قبورهم لرب العالمين ، ولا بما وعد الله به عباده من الثواب والعقاب ، بل
ولا بما أخبرت به الرسل من الملائكة ، بل ولا بما ذكرته من أسماء الله
وصفاته ، بل أخبارهم التي يتبعونها اتباع المتفلسفة المشائين التابعين
لأرسطو ، ويريدون أن يجمعوا بين ما أخبر به الرسل ، وما يقوله هؤلاء ، كما
فعل أصحاب رسائل إخوان الصفا ، وهم على طريقة هؤلاء العبيديين ، ذرية عبيد
الله بن ميمون القداح ، فهل ينكر أحد ممن يعرف دين المسلمين أو اليهود أو
النصارى أن ما يقوله أصحاب رسائل إخوان الصفا مخالف للملل الثلاث ، وإن كان
في ذلك من العلوم الرياضية والطبيعية وبعض المنطقية والإلهية وعلوم
الأخلاق والسياسة والمنزل ما لا ينكر ، فإن في ذلك من مخالفة الرسل فيما
أخبرت به وأمرت به والتكذيب بكثير مما جاءت به وتبديل شرائع الرسل كلهم بما
لا يخفى على عارف بملة من الملل ، فهؤلاء خارجون عن الملل الثلاث ، ومن
أكاذيبهم وزعمهم أن هذه الرسائل من كلام جعفر بن محمد الصادق ، والعلماء
يعلمون أنها إنما وضعت بعد المائة الثالثة زمان بناء القاهرة ، وقد ذكر
واضعها فيها ما حدث في الإسلام من استيلاء النصارى على سواحل الشام ونحو
ذلك من الحوادث التي حدثت بعد المائة الثالثة ، وجعفر بن محمد - رضي الله
عنه - توفي سنة ثمان وأربعين ومائة قبل بناء القاهرة بأكثر من مائتي سنة ،
إذ القاهرة بنيت حول الستين وثلاثمائة كما في تاريخ الجامع الأزهر ، ويقال
إن ابتداء بنائها سنة ثمان وخمسين ، وأنه في سنة اثنين وستين قدم معد بن
تميم من المغرب واستوطنها ، ومما يبين هذا أن المتفلسفة الذين يعلم خروجهم
من دين الإسلام كانوا من اتباع مبشر بن فاتك أحد أمرائهم وأبي علي بن
الهيثم اللذين كانا في دولة الحاكم نازلين قريبا من الجامع الأزهر وابن
سينا وابنه وأخوه كانوا من أتباعهما " الفتاوى الكبرى 4/276 .
وفي
نهاية هذه الجولة السريعة مع كلام شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في
جعفر الصادق - رحمه الله - ، أقول : أليس كلامه هذا دليل على شدة محبته لآل
البيت ودفاعه عنهم ، لا كما يزعم الرافضة من أنه يبغض آل البيت كذبا عليه
وبهتانا .. ، وقديما قيل : صديقك من صدقك لا من صدقك .. ، ولكن ليس بعد
الحق إلا الضلال ، وفي هذا البيان العاجل إيضاح لمن كان له قلب أو ألقى
السمع وهو شهيد ..
وأختم بكلام شيخ الإسلام في هذه القضية ، إذ
يقول مبينا ضرورة القول بعلم وعدل ، وضرورة اتباع الحق ، وأن الحق الصحيح
المنقول عن أئمة آل البيت - رحمهم الله - هو الموافق لما كان عليه الصحابة -
رضوان الله عليهم - ، ولما كان عليه أئمة السلف - رحمهم الله - ، ومن تتبع
ذلك وجد ذلك جميعه متفقا مجتمعا في أصول دينهم وجماع شريعتهم .. ، وفي هذا
غنية عن المقالات المكذوبة والقصص المنسوجة .. ، وهذا هو القول الحق ، وهو
الوسط بين الغالين والمجحفين ... :
قال رحمه الله : " ... وأما
العالم العادل فلا يقول إلا بالحق ولا يتبع إلا إياه ، ولهذا من يتبع
المنقول الثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه وأصحابه وأئمة أهل
بيته ، مثل الإمام علي بن الحسين زين العابدين ، وابنه الإمام أبي جعفر
محمد بن علي الباقر ، وابنه الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق شيخ
علماء الأمة ، ومثل مالك بن أنس والثوري وطبقتهما ، وجد ذلك جميعه متفقاً
مجتمعاً في أصول دينهم وجماع شريعتهم ، ووجد في ذلك ما يشغله وما يغنيه عما
أحدثه كثير من المتأخرين من أنواع المقالات التي تخالف ما كان عليه أولئك
السلف ، ممن ينتصب لعداوة آل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويبخسم
حقوقهم ويؤذيهم ، أو ممن يغلو فيهم غير الحق ، ويفتري عليهم الكذب ، ويبخس
السابقين والطائعين حقوقهم " [ ا .هـ من رسالة إلى المنسوبين إلى التشيع في
العراق ومشهد المنتظر ( ص : 87 - 88 ) ضمن كتاب جامع المسائل لشيخ الإسلام
، تطبع لأول مرة ]
والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبيه الأمين وآله وأصحابه أجمعين ،،،