لحظة
من فضلك. هل يعني الاهتمام أو التركيز على الجانب الايجابي في هؤلاء الذين
ذكرهم المؤلف والنظر إليهم كمختلفين وأصحاب تنوع عصبي أن نجعلهم والذين
يهتمون بهم يتجاوزون ويتجاهلون ويقللون من الأضرار التي تسببها هذه
الاضطرابات؟؟
وهل يعني تسميتها باختلافات، أن آلام المصابين بها ستزول؟
طبعا لا.
ما الذي يعنيه هذا التركيز؟
انه
مفهوم قوي مدعوم بأبحاث في حقل علم الدماغ وعلم النفس التطوري وعلم
الإنسان وحقول أخرى يمكن أن تُثور الطريقة التي نرى بها الأمراض العقلية.
ولا شك أن التركيز على الإيجابيات بنسبة أكبر من التركيز على السلبيات في
هؤلاء الناس ستكون له نتائجه الجيدة على مستوى المرضى أنفسهم وعلى مستوى من
يتعامل معهم وعلى مستوى العلم والمجتمع.
يريد
المؤلف أن يبدأ حملة جادة، كما يقول، لبدء أبحاث تهتم بإيجابيات الأشخاص
الذين يتم تعريفهم وفق سلبياتهم وهذه نقطة مهمة جدا في عالم هؤلاء الناس
وغيرهم كذلك.
فلنبدأ على بركة الله بمتعة الدماغ كثير النشاط كما يسميه المؤلف.
ما الذي يفعله صاحب هذا الدماغ في فصل من فصول مدارسنا الدراسية؟؟؟؟
الفصل عدوهم اللدود.
طبعا أصحاب التربية الخاصة وغيرهم يعرفون عم أتحدث . أتحدث عن
ADHD
أعراضه لمن لا يعرف:
فرط النشاط والحركة
الاندفاع والتهور
والتشتت
كيف يُشخص هذا الاضطراب أو الاختلاف؟
يُشخص باستبعاد احتمالات أخرى فلا تحليل دم ولا مسح دماغي يُشخصه.
كيف يعالجه القومُ الآن؟
باستخدام أدوية كـ "الرتالين" و"الأدرال".
ما طبيعة هذا الاضطراب؟
تشير
دراسات ذكرها المؤلف إلى وجود اضطراب في الدارات الكهربائية بين الفص
الجبهي المسئول عن التخطيط والضبط وبين جزءين من الدماغ منهما المخيخ
مسئولين عن العاطفة والحركة ( حركة وعواطف بلا إشراف من الفص الجبهي)
وماذا أيضا؟
لاحظوا
أن حجم هذه الأجزاء الثلاثة من الدماغ عند الذين تم تشخيصهم بهذا الاضطراب
أقل بنسبة 3 إلى 4% من العاديين (وفق مفهومنا للعاديين)
والمعنى؟
المعنى أن هؤلاء الأطفال متأخرين 3 سنوات عن أقرانهم في جوانب معينة وفق مقاييس معينة.
وهنا
يذكر المؤلف أن وصف هؤلاء الأطفال بـ "التفتح" المتأخر أفضل من وصفهم
بأصحاب أدمغة قاصرة. وهذا التأخر في النمو الذهني يجعلهم يتصرفون بشكل
يختلف عن أقرانهم وبشكل قد تجاوزه أقرانُهم منذ سنوات. ويوجد في حقل علم
الأحياء التطوري مصطلح "نيوتني" ويشير إلى بقاء سمات الطفولة إلى وقت متأخر
نسبيا وهذا ملمح تقدمي للتطور كما يرى ذلك أحد علماء الإنسان.وهذه الملامح
أو السمات كما يرى عالم الإنسان (الأنثروبولوجي)هذا وهو آشلي مونتاجو" هي
حب الاستطلاع واللعب والحَيرة أو التساؤل والإبداع والمرونة والاختراع
والدعابة. ويرى المؤلف أننا بحاجة للإبقاء على هذه السمات والملامح في
الكبار أو بعضهم وخاصة المرونة لنتمكن من التعامل مع عالم اليوم ومع
المتغيرات العالمية بل والمتغيرات الداخلية أو المحلية. فالجمود والنمطية
في كل الأمور لا تفيد الإنسانية بل قد تسبب كوارث لا نهاية لها. وهنا يأتي
دورُ أصحاب هذا الاضطراب أو الاختلاف أو التنوع العصبي ليُثروا العالم
بملامح طفولتهم ومرونتهم وابتكارهم وهذا مربط الفرس أو جوانب القوة في
هؤلاء الناس.
لا زلنا مع المُعنونين بـالـ
ADHD
والآن شيء من الكيمياء أو كيمياء الدماغ. فلقد تبين أن المُعنونين بما ذكرت يُعانون من نقص في ناقل كيميائي اسمه دوبامين
Dopamine
وهذا
الناقل له علاقة بالحافز والحركة. ونقص كميته يسبب رغبة في النشاط الحركي
والانفعالية والبحث عن المحفزات أو المثيرات ولهذا نجد الفصول والمكاتب أو
الأعمال المكتبية لا تناسبهم على الإطلاق.
في كتاب لـ توم هارتمن
يصف المؤلف هؤلاء الناس بـ"صيادين في عالم المزارعين" فما المقصود بهذا؟
لو
عدت إلى أعراض هذا الاضطراب أو الاختلاف لوجدت أنها نافعة للصيادين أو
الناس عندما عاشوا على الصيد في الغابات أو غيرها ولكنها لا تنفع المزارعين
الذين يبذرون البذور وينتظرون الحصاد فحركة الصياد وانتباهه وردات فعله
السريعة يحتاجها من يمتهن الصيد لوجود مخاطر مختلفة الخ.
هل يعني هذا أننا اليوم لا نجد الملامح والسمات التي كان يتمتع به الصيادون والمزارعون ؟؟
خذ
مثلا سكان "بولووات" في جزر في بحر الجنوب (جزء من فيدرالية ميكرونيزيا).
ما المهم بالنسبة لهم؟؟؟ الإبحار من جزيرة إلى أخرى وهذا يتطلب أمورا
يعلمونها أطفالهم كالنجوم والمد والجزر وأماكن الصخور المرجانية وغيرها
وهذه بيئة مناسبة لأصحاب الـ
ADHD
ولا
شك أنهم في تلك البيئة موهوبون ولا شك أن من نُطلق عليهم عاديين في بيئتنا
لو تم- جدلا- تشخيصهم هناك لتبين أنهم مُصابون كما يذكر المؤلف بـ "سي دي
دي" أي اضطراب نقص مجموعة النجوم( لأن معرفة النجوم بالنسبة لسكان تلك
الجزر مهم جدا) فما يُعد موهبة في بيئة يُعد مرضا في بيئة أخرى أو اضطرابا
وهكذا.
وهذا مثل آخر ذكرته في موضع آخر:
غجر البحر. من هم؟
وسؤال آخر مهم : هل يمكن لثقافة مجتمع ما أن تغير أدمغة اصحاب تلك الثقافة وتغير تسليك أدمغتهم - إن صح التعبير-؟
ويستطيع
أطفالهم الغوص 30 قدما تحت سطح الماء (المتر=3,28 قدم) والحصول على
طعامهم. ويستطيعون البقاء تحت الماء ضعف المدة التي يستطيعها السباحون
لأنهم يملكون القدرة على تقليل ضربات قلوبهم ويقومون بهذا بدون أجهزة غوص
وهناك قبيلة منهم إسمها Sulu تغوص لعمق 57 قدم للحصول على اللؤلؤ.
بحيث
يستطيعون تقليص البؤبؤ بنسبة 22% وهذا غريب لأن بؤبؤ الإنسان يتسع
أتوماتيكيا تحت الماء كما أن المعتقد العلمي السائد هو أن البؤبؤ يتحكم فيه
الدماغُ والجهاز العصبي. وما يفعله غجرُ البحر يثبت أن الثقافة تغير تسليك
الدماغ وما كان يُظن بأنه لا يتغير وبأن الجينات تتحكم فيه.
وإذا كانت كل ثقافة تحمل أنشطة مشتركة فإنها بالنسبة لغجر البحر الرؤية تحت الماء.
المصدر : كتاب ترجمة عنوانه:"الدماغ الذي يغير نفسه"
ماذا لو تم تشخيص أطفالنا هناك؟؟؟؟
والأمثلة كثيرة جدا.