عرفة
واد بين المزدلفة والطائف ، يمتد من علمي عرفة إلى جبل عرفة الذي يحيط
بالوادي من الشرق على هيئة قوس ، وفي طرفه من الجنوب الطريق إلى الطائف ،
وفي طرفه من الشمال لسان يبرز إلى الغرب يسمى : جبل الرحمة ، في طرفه
الغربي صخرة عالية هي موقف الخطيب ، وفي أسفله مصلى يسمى : مسجد الصخرات ،
والمسافة من علمي عرفة إلى سفح جبل الرحمة تبلغ نحو ألف وخمسمائة متر
(1500متر) .
والوقوف بعرفة يتحقق بالوجود في أي جزء من أجزاء
عرفة بشرط أن يكون محرما ، سواء وجد واقفا أو راكبا ، أو مضطجعا ؛ عالما
أنها عرفة أو جاهلا ذلك ما دام الوقوف في وقته .
وهو ركن من أركان الحج بإجماع المسلمين لقوله
صلى الله عليه وسلم لأهل نجد - حين سألوه : كيف الحج ؟ - : الحج عرفة فمن
جاء قبل صلاة الفجر من ليلة جمع فقد تم حجه أخرجه أحمد وهذا لفظه ،
والأربعة والبيهقي والحاكم وصححه الترمذي وقال : والعمل عليه عند أهل العلم
أنه من لم يقف بعرفات قبل طلوع الفجر (يوم النحر) فقد فاته الحج ولا يجزئ
عنه أنه جاء بعد طلوع الفجر ، ويجعلها عمرة ، وعليه الحج من قابل .
(هذا) وعرفة كلها موطن للوقوف إلا بطن عرنة ، فالوقوف بها لا يجزئ بالإجماع .
والأفضل الوقوف عند الصخرات ، موقف النبي صلى
الله عليه وسلم ، أو بالقرب منها . وأما ما اشتهر من اهتمام الناس بالوقوف
على جبل الرحمة ، وترجيحه على غيره فخطأ مخالف للسنة .
ويسن لمن يريد الوقوف بعرفة أن يغتسل ، وأن يقف
عند الصخرات راكبا - إن أمكن - مستقبلا القبلة مهللا مكبرا ملبيا مصليا على
النبي صلى الله عليه وسلم مجتهدا في الدعاء .
كما يستحب الإكثار من ذكر الله تعالى والدعاء
يوم عرفة ، فإنه يوم إجابة الدعاء ، وإفاضة الخير من الجواد الكريم الرحمن
الرحيم ، وليتحر الأدعية المأثورة والواردة في الكتاب والسنة .
فضل يوم عرفة
ورد في فضل عرفة أحاديث منها :
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال : إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء ، فيقول لهم :
انظروا إلى عبادي جاءوني شعثا غبرا رواه أحمد وابن حبان في صحيحه والحاكم
وقال : صحيح على شرطهما .
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال : ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيدا من النار من يوم
عرفة ، وإنه ليدنو يتجلى ، ثم يباهي بهم الملائكة فيقول : ما أراد هؤلاء؟
رواه مسلم والنسائي ، وابن ماجة وزاد رزين في جامعه فيه : اشهدوا ملائكتي
أني قد غفرت لهم
وعن عبد العزيز بن قيس العبدي قال : سمعت ابن
عباس يقول : كان فلان ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل الفتى يلاحظ
النساء وينظر إليهن فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ابن أخي ، إن
هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له رواه أحمد بإسناد صحيح
والطبراني .
وقت الوقوف بعرفة
وقت الوقوف بعرفة هو من زوال الشمس يوم عرفة إلى
طلوع الفجر يوم النحر عند الأحناف ومالك والشافعي والجمهور ، لأن النبي
صلى الله عليه وسلم إنما وقف بعد الزوال ، وكذا الخلفاء الراشدون ، وقال
أحمد : وقت الوقوف بعرفة ما بين طلوع فجر يوم عرفة وفجر يوم النحر ، ويكفي
الوقوف في أي جزء من هذا الوقت ليلا أو نهارا ، لحديث : من صلى معنا صلاة
الغداة بجمع ووقف معنا حتى نفيض ، وقد أفاض قبل ذلك من عرفات ليلا أو نهارا
. فقد تم حجه من حديث أخرجه أحمد والأربعة والبيهقي وقال الترمذي : هذا
حديث حسن صحيح . والظاهر أن الراجح هو القول الأول كما أنه هو الأحوط .
ومن وقف بعرفة في أي وقت من بعد ظهر يوم عرفة
إلى فجر يوم النحر فقد أجزأه ذلك عن ركن الوقوف بعرفة . غير أنه إن وقف
نهارا وجب عليه أن يبقى حتى تغرب الشمس ليجمع بين النهار والليل كما فعل
الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ، فإن أفاض قبل الغروب وجب عليه دم.. وذلك
عند الأحناف ومالك وأحمد . وأما الشافعية ومعهم ابن حزم فإنهم يرون أن
الجمع بين الليل والنهار سنة ، وليس واجبا وهناك قول لمالك بأن من ترك عرفة
قبل الغروب بطل حجه . قال ابن عبد البر : لا أعلم أحدا من فقهاء الأمصار
قال بقول مالك..
ومن لم يدرك جزءا من النهار ولا جاء عرفة حتى
غابت الشمس فوقف ليلا فلا شيء عليه وحجه تام ، لا نعلم مخالفا ؛ فالجمع بين
النهار والليل مطلوب ممن وقف نهارا فقط .
مسائل تتصل بالوقوف بعرفة
(1) أجمع العلماء على أنه يصح وقوف غير الطاهر كالجنب والحائض والنفساء .
(2) من مر بعرفة وهو غافل أجزأه ذلك عن الوقوف
الركن ، ولو كان عند مروره نائما أو غافلا ، أو لا يعلم أنه عرفة ، أو
لاهيا أو عابثا... بذلك قال أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد ، وقال أبو ثور
: لا يجزئه لأنه لا يكون واقفا إلا بالإرادة .
(3) من وقف وهو مغمى عليه أو مجنون ، أو سكران ،
ولم يفق حتى خرج من عرفات فإنه لا يحسب له وقوف بعرفة وبطل حجه ، وهو قول
الحسن والشافعي وأبي ثور وإسحاق وابن المنذر .
وقال عطاء ومالك وأصحاب الرأي : يجزئه ، وتوقف في ذلك الإمام أحمد ، والظاهر أن الراجح عدم الإجزاء