شهيد يمشي على الأرض
طلحة بن عبيد الله
هو
طلحة بن عبيد الله ابن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب
بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة القرشي التيمي المكي أبو
محمد.
قال عنه الرسول : "من أراد أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض؛ فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله" [الترمذي].
وهو أحد
العشرة الذين بشرهم الرسول بالجنة، وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام ،
وأحد الستة الذين اختارهم عمر بن الخطاب ليكون منهم خليفة المسلمين .
كان طلحة قد سافر إلى أرض بصرى
بالشام في تجارة له ، وبينما هو في السوق سمع راهبًا في صومعته يقول: سلوا
أهل هذا الموسم أفيهم أحد من أهل الحرم؟ فذهب إليه طلحة، وقال له: نعم أنا،
فقال الراهب: هل ظهر أحمد؟ قال طلحة: من أحمد؟ قال الراهب: ابن عبد الله
بن عبد المطلب ، هذا شهره الذي يخرج فيه، وهو آخر الأنبياء، ومخرجه من
الحرم، و مهاجره إلى نخل وحرة ويباخ (يقصد المدينة المنورة) ، فإياك أن
تسبق إليه .
فوقع كلام
الراهب في قلب طلحة ، ورجع سريعًا إلى مكة وسأل أهلها: هل كان من حدث؟
قالوا نعم، محمد الأمين تنبأ ، وقد تبعه ابن أبي قحافة ، فذهب طلحة إلى أبي
بكر، وأسلم على يده، وأخبره بقصة الراهب.
[ابن سعد]
فكان من السابقين إلى الإسلام، وأحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبي بكر.
ورغم ما
كان لطلحة من ثراء ومال كثير ومكانة في قريش فقد تعرض لأذى المشركين
واضطهادهم مما جعله يهاجر المدينة حين أذن النبي للمسلمين بالهجرة ، وجاءت
غزوة لكنه لم يشهدها ، وقيل إن الرسول أرسله في مهمة خارج المدينة وحينما
عاد ووجد المسلمين قد عادوا من غزوة بدر، حزن طلحة حزنًا شديدًا لما فاته
من الأجر والثواب، لكن الرسول ( أخبره أن له من الأجر مثل من جاهد في
المعركة، وأعطاه النبي سهمًا ونصيبًا من الغنائم مثل المقاتلين تمامًا.
ثم شهد
طلحة غزوة أحد وما بعدها من الغزوات، وكان يوم أحد يومًا مشهودًا، أبلى فيه
طلحة بلاء حسنًا حتى قال عنه النبي: "طلحة شهيد يمشي على وجه الأرض" [ابن
عساكر].
وحينما نزل
قول الله تعالى: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى
نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) [الأحزاب: 23]، قال النبي : "طلحة
ممن قضى نحبه" [الترمذي].
وحينما
حدث اضطراب في صفوف المسلمين، وتجمع المشركون حول رسول الله كل منهم يريد
قتله ، وكل منهم يوجه السيوف والسهام والرماح تجاه الرسول إذا بطلحة البطل
الشجاع يشق صفوف المشركين حتى وصل إلى رسول الله ، وجعل من نفسه حصنًا
منيعًا للنبي ، وقد أحزنه ما حدث لرسول الله من كسر رباعيته (أي مقدمة
أسنانه) ، وشج رأسه ، فكان يتحمل بجسمه السهام عن رسول الله ، ويتقي النبل
عنه بيده حتى شلت يده ، وشج رأسه ، وحمل رسول الله على ظهره حتى صعد على
صخرة ، وأتاه أبو بكر وأبو عبيدة ، فقال لهما الرسول: اليوم أوجب طلحة يا
أبا بكر"، ثم قال لهما: "عليكما صاحبكما"، فأتيا إلى طلحة فوجداه في حفرة،
وبه بضع وسبعون طعنة ورمية وضربة ، وقد قطعت إصبعه" [ابن سعد].
وكان أبو بكر الصديق إذا ذكر يوم أحد قال: ذاك يوم كله لطلحة ، وقد بشره الرسول بالجنة.
وقد بلغ طلحة
مبلغًا عظيمًا في الجود والكرم حتى سمى بطلحة الخير، وطلحة الجواد ، وطلحة
الفياض، ويحكى أن طلحة اشترى بئر ماء في غزوة ذي قرد، ثم تصدق بها، فقال
رسول الله: "أنت طلحة الفياض" [الطبراني]، ومن يومها قيل له طلحة الفياض.
وقد أتاه
مال من حضرموت بلغ سبعمائة ألف، فبات ليلته يتململ، فقالت له زوجته: مالك؟
فقال: تفكرت منذ الليلة ، فقلت: ما ظن رجل بربه يبيت وهذا المال في بيته ،
فأشارت عليه أن يقسم هذا المال على أصحابه وإخوانه ، فسرَّ من رأيها وأعجب
به ، وفي الصباح ، قسم كل ما عنده بين المهاجرين والأنصار، وهكذا عاش
حياته كلها كريمًا سخيًّا شجاعًا.
واشترك في باقي الغزوات مع النبي ومع أبي بكر وعمر وعثمان، وحزن حزنًا شديدًا حينما رأى مقتل عثمان بن عفان رضي الله واستشهاده ،
وقد
روي عن علي - رضي الله عنه- أنه قال: والله إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان
وطلحة والزبير ممن قال الله تعالى: (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانًا على
سرر متقابلين) [الحجر: 47].
وتزوج
طلحة -رضي الله عنه- أربع نسوة، كل واحدة منهن أخت لزوجة من زوجات النبي
وهن: أم كلثوم بنت أبي بكر، أخت عائشة، وحمنة بنت جحش أخت زينب، والفارعة
بنت أبي سفيان أخت أم حبيبة، ورقية بنت أبي أمية أخت أم سلمة.
وقد ترك طلحة تسعة أولاد ذكور وبنتًا واحدة، وروي عن النبي أكثر من ثلاثين حديثًا
وقتل طلحة في موقعة الجمل حيث أصيب بسهم فمات.
وذلك سنة ست وثلاثين في جمادي الآخرة وقيل في رجب وهو ابن ثنتين وستين سنة أو نحوها وقبره بظاهر البصرة.
حواري الرسول
الزبير بن العوام
إنه الزبير بن العوام "رضي الله عنه "
الذي يتلقى في نسبه مع النبي فأمه صفية بنت عبد المطلب عمة الرسول ،
وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة ، وهو أحد الستة أهل الشورى الذين اختارهم
عمر " رضي الله عنه " ، ليكون منهم الخليفة بعد موته، وزوج السيدة أسماء
بنت أبي بكر الصديق " رضي الله عنها ".
وقد أسلم الزبـير مبكرًا، فكان واحدًا من السبعة
الأوائل الذين سارعوا إلى الإسلام ، ولما علم عمه نوفل بن خويلد بإسلامه
غضب غضبًا شديدًا ، وتولى تعذيبه بنفسه ، فكان يلفُّه في حصير ، ويدخن عليه
بالنار، ويقول له " اكفر برب محمد ، أدرأ (أكف) عنك هذا العذاب " فيرد
عليه الزبير قائلاً: لا، والله لا أعود للكفر أبدًا.[الطبراني وأبو نعيم].
وسمع الزبير يومًا إشاعة كاذبة
تقول: إن محمدًا قد قتل، فخرج إلى شوارع مكة شاهرًا سيفه ، يشق صفوف الناس ،
وراح يتأكد من هذه الشائعة معتزمًا إن كان الخبر صحيحًا أن يقتل من قتل
رسول الله ، فلقي النبي بشمال مكة ، فقال له النبي "مالك؟" فقال: أخبرت أنك
أخذت (قُتلت). فقال له النبي "فكنت صانعًا ماذا؟" فقال: كنت أضرب به من
أخذك. ففرح النبي لما سمع هذا، ودعا له بالخير ولسيفه بالنصر.[أبو نعيم].
فكان - رضي الله عنه - أول من سل سيفه في سبيل الله.
وقد هاجر الزبير إلى الحبشة مع من هاجر من المسلمين، وبقي بها حتى أذن لهم الرسول بالعودة إلى المدينة.
وقد شهد مع رسول الله الغزوات
كلها ، وفي غزوة أحد بعد أن عاد جيش قريش إلى مكة أرسل الرسول سبعين رجلا
من المسلمين في أثرهم ، كان منهم أبو بكر والزبير. [البخاري].
ويوم اليرموك، ظل الزبير -
رضي الله عنه - يقاتل جيش الروم وكاد جيش المسلمين أن يتقهقر، فصاح فيهم
مكبرًا " الله أكبر " ثم اخترق صفوف العدو ضاربًا بسيفه يمينًا ويسارًا ،
يقول عنه عروة " كان في الزبير ثلاث ضربات بالسيف كنت أدخل أصابعي فيها،
ثنتين (اثنتين) يوم بدر، وواحدة يوم اليرموك ".
وقال عنه أحد الصحابة: صحبت
الزبير بن العوام في بعض أسفاره ، ورأيت جسده ، فقلت له " والله لقد شهدت
بجسمك لم أره بأحد قط ، فقال لي " أما والله ما فيها جراحة إلا مع رسول
الله ، وفي سبيل الله ".
وقيل عنه: إنه ما ولى إمارة قط ، ولا جباية ، ولا خراجا ، ولا شيئًا إلا أن يكون في غزوة مع النبي أو مع أبي بكر أو عمر أو عثمان .
وحين طال حصار بني قريظة دون أن يستسلموا أرسله رسول الله مع
علي بن أبي طالب ، فوقفا أمام الحصن يرددان قولهما : والله لنذوقن ما ذاق حمزة، أو لنفتحن عليهم الحصن.
وقال عنه النبي صلى الله عليه وسلم "إن لكل نبي حواريًا وحواري الزبير" [متفق عليه].
وكان يتفاخر بأن النبي قال له يوم أحد ، ويوم قريظة "ارم فداك أبي وأمي".
وتقول السيدة عائشة رضي الله عنها لعروة بن الزبير: كان
أبواك من الذين استجابوا لله وللرسول من بعدما أصابهم القرح (تريد أبا بكر
والزبير)
[ابن ماجة].
وكان الزبير بن العوام من
أجود الناس وأكرمهم ، ينفق كل أموال تجارته في سبيل الله ، يقول عنه كعب:
كان للزبير ألف مملوك يؤدون إليه الخراج ، فما كان يدخل بيته منها درهمًا
واحدًا (يعني أنه يتصدق بها كلها)، لقد تصدق بماله كله حتى مات مديونًا،
ووصى ابنه عبد الله بقضاء دينه، وقال له : إذا أعجزك دين ، فاستعن بمولاي.
فسأله عبد
الله: أي مولى تقصد؟ فأجابه: الله، نعم المولى ونعم النصير. يقول عبد الله
فيما بعد: فو الله ما وقعت في كربة من دينه إلا قلت: يا مولى الزبير اقض
دينه فيقضيه. [البخاري].
وعلى الرغم من طول صحبته
للنبي فإنه لم يرو عنه إلا أحاديث قليلة، وقد سأله ابنه عبد الله عن سبب
ذلك ، فقال: لقد علمت ما كان بيني وبين رسول الله من الرحم والقرابة إلا
أني سمعته يقول: "من كذب عليَّ متعمدًا، فليتبوأ مقعده من النار"
[البخاري].
فكان - رضي الله عنه - يخاف أن يتحدث عن رسول الله بشيء لم يقله، فيزل بذلك في النار.
وخرج الزبير من معركة الجمل ،
فتعقبه رجل من بني تميم يسمى عمرو بن جرموز وقتله غدرًا بمكان يسمى وادي
السباع ، وذهب القاتل إلى الإمام عليّ يظن أنه يحمل إليه بشرى، فصاح عليٌّ
حين علم بذلك قائلاً لخادمه : بشر قاتل ابن صفية بالنار.
حدثني رسول الله أن قاتل الزبير في النار. [أحمد وابن حبان والحاكم والطبراني].
ومات الزبير - رضي الله عنه- يوم الخميس من شهر جمادى الأولى سنة (36هـ)، وكان عمره يوم قتل (67 هـ) سنة وقيل (66) سنة.
رضى الله عنه وعن الصحابة أجمعين