قليلة هي الأمراض التي تستلزم الإفطار في شهر رمضان، فمعظم الأمراض يستطيع
أصحابها الصوم مثل بقية الناس والاستمرار في تناول أدويتهم وعلاجاتهم مع
تغيير طفيف في مواعيد الجرعات، كي تتفق مع وقت الإفطار.
ومع أن المرض رخصة في الفطر - كما جاء صريحاً في القرآن والسنة- إلا أن
كثيراً من المرضى الذين يحق لهم شرعاً الفطر في رمضان بسبب حالتهم الصحية
يجدون في أنفسهم عنتاً وحرجاً في الفطر، ويترددون في ذلك كثيراً رغم نصح
الطبيب، وقد يصرون على الصوم رغم آثاره السيئة على صحتهم.
ونحن نفهم سبب حرصهم على الصوم ورغبتهم في مشاركة المسلمين الفضل والخير،
ولكن الله يحب أن تؤتى رخصه كما تؤتى عزائمه، والعبد يكتب له ما كان يعمله
إذا قعد به المرض كما ورد في الأثر.
يتجه الأمر عند الحديث عن المرضى والصوم إلى المصابين بالأمراض المزمنة،
أما الحالات الحادة كالإصابات والالتهابات والعمليات الطارئة؛ فمن الصعب
الحديث عنها بشكل عام، لأن لكل حالة ظروفها الخاصة.
مرضى ارتفاع ضغط الدم الذين أمكن التحكم في معدل ضغط الدم لديهم يمكنهم
الصوم مع تحويل جرعة الدواء الصباحية لتؤخذ عند الإفطار وجرعة الدواء
المسائية لتؤخذ عند أكلة السحور، وقد يلزم تغيير جرعة الأدوية المدرة للبول
التي تستعمل لعلاج ضغط الدم، وذلك بتقليل الجرعة نظراً لتعرض المريض لنقص
في سوائل الجسم أثناء نهار رمضان، والطبيب وحده هو الذي يقرر ذلك.
مرضى داء السكري من النوع الثاني الذين يعالجون بالحمية فقط يعد الصوم
وسيلة مثلى لمساعدتهم في ضبط معدلات سكر الدم وفي التخلص من الوزن الفائض
شريطة ألا يطلقوا لأنفسهم العنان بعد الإفطار في تناول الوجبات السكرية
والدهنية التي يشتهر بها رمضان، لأن ذلك يلغي فائدة الصوم الصحية. وأما
مرضى السكري الذين يعالجون بالحبوب الخافضة أو بحقن الأنسولين فلهم الصوم
إذا وصلوا مرحلة جيدة من ضبط مستوى سكر الدم، ويمكنهم الاستمرار في تناول
الأدوية مع تعديل مواعيدها كما سبق، وذلك بعد مشورة الطبيب الذي غالباً ما
يحتاج لقياس مستويات سكر الدم في أوقات مختلفة من النهار أثناء الصوم لأخذ
صورة وافية عن الحالة.
وأما مرضى القلب فهم ليسوا سواء، فمثلاً أولئك الذين يستعملون الأدوية
المسيلة للدم والتي تعطى بعد عمليات صمام القلب وجد أنهم يستطيعون الصوم
دون خطر التعرض للمضاعفات، كما أظهر ذلك بحث أجراه الأطباء في مستشفى الملك
فيصل التخصصي بالرياض على مجموعة من المرضى بلغ عددهم 106 مرضى، مقارنة
بأمثالهم من المرضى الذين أفطروا في رمضان.
أما مرضى الفشل الكلوي الذين يضطرون إلى الغسيل مرتين أو ثلاث مرات في
الأسبوع فليس بمقدورهم الصيام في أغلب الحالات؛ لأن الصوم يؤدي إلى
اختلالات بالغة في أملاح الدم وما يتبع ذلك من مضاعفات خطيرة.
ومرضى الربو أفتى بعض العلماء لهم بجواز تناول الأدوية البخاخة في الفم عند
الحاجة، على اعتبار أنها ليست في حكم الطعام والشراب، كما أفتوا أيضاً
بجواز أخذ الحقن العضلية التي ليست بديلاً عن الطعام أو الشراب.