رمضان
هو شهر المغفرة والرحمة ويذكر أن الصحابة وغيرهم من السلف الصالح كانوا
يدعون الله ستة أشهر لكي يبلغهم رمضان ثم بعده يدعون الله ستة أشهر ليتقبل
منهم عملهم الصالح فيه، باعتبار أنه فرصة عظيمة لكسب الأجر والتفاني في
العمل الصالح. هذه الصورة الزاهية الجميلة لهذا الشهر العظيم تكاد تكون
غائبة في واقعنا الحالي أو على أقل تقدير مصحوبة بظواهر وسلوكيات متنافية
تماماً مع ما لهذا الشهر من قدسية وفضل، وبصورة تعكس مدى التردي الذي وصلت
إليه مجتمعاتنا الإسلامية في الوقت الحاضر.
فشهر رمضان أصبح شهر الكسل
والأداء المتدني بحيث إن معظمنا غير مستعد للقيام حتى بجزء من واجبات عمله
الذي يحصل على أجر لقاءه، وقد تجد شخصاً يكثر من قراءة القران ويقوم الليل
في رمضان ومع ذلك عندما يذهب لعمله لا يعطيه حتى جزء من حقه ولا يرى في ذلك
أي تناقض أو أن يتولد لديه إحساس بأن هذا السلوك لا يستقيم مع ما يظهره في
هذا الشهر من رغبة في مزيد من الأجر والثواب، فلا علاقة بين العالمين في
نظره. وفي هذا تحول هائل في نظرة أفراد المجتمعات الإسلامية لهذا الشهر عما
كانت النظرة إليه في تراثنا إبان ازدهار الحضارة الإسلامية، فشهر الخمول
والكسل هذا كان في ما مضى شهر الجد والعمل الاستثنائي، بحيث ارتبط شهر
رمضان بمعارك فاصلة غيرت وجه التاريخ كبدر وعين جالوت والزلاقة ومرج دابق،
حيث حقق فيها المسلمون أعظم انتصاراتهم وتفانوا في الدفاع عن دينهم، وهو
أمر لا يمكن حتى تخيل حدوثه في ظل هذا التبلد والخمول الذي يسيطر علينا في
رمضان، والذي بلغ حداً أصبحت معه جهات فتوى في بلدان إسلامية تصدر فتاوى
تجيز للاعبي الكرة الفطر في رمضان.
وبدلاً من أن يكون شهر رمضان شهر
السكينة والخشوع والتقرب إلى الله، أصبح شهر ثورة الأعصاب وعدم التحمل
والتوتر الشديد والحدة، فنجد من هو أكثر ميلاً للعنف في نهار رمضان مقارنة
بأي وقت آخر، والكثير منا يقود سيارته في نهار رمضان بطريقة عصبية تتسبب في
زيادة عدد الحوادث، ونظهر عدم اكتراث في إعاقة الحركة المرورية بالوقوف
غير النظامي أمام محال التسوق والمطاعم دون أدنى اهتمام بما يتسبب في ذلك
من ضرر بالآخرين، كما أضحى هذا الشهر مرتبطا في أذهان الناس بالسهر وتمضية
الوقت بكل ما هو غير مفيد ومتناقض مع حكمة وقدسية هذا الشهر وفضله.
وشهر
رمضان أصبح شهر الإسراف والتبذير، لا فرق في ذلك بين موسر ودون ذلك، فكل
يسرف ويبالغ على قدره. وعندما ترى حمى الشراء في أسواق السلع الغذائية مع
إقبال شهر رمضان لا تملك إلا أن تتهول مما ترى، فالكل يشتري كما لو أن هذه
الأصناف الغذائية على وشك الانقراض من الأسواق وهذه الفرصة الأخيرة أمامه
لتأمين حاجته لعام كامل أو حتى أكثر، ثم تجد هؤلاء المسرفين يشتكون من غلاء
الأسعار رغم كونهم قادرين على تخفيض ميزانية مشترياتهم إلى النصف أو أكثر
بمجرد تفادي الإسراف دون أن يؤدي ذلك إلى أي تأثير سلبي في مستوى معيشتهم،
والفرق الوحيد هو حجم الأغذية التي يقذفون بها في صناديق النفايات، ما يظهر
غياب أي وعي أو اهتمام بحكمة فرض صوم رمضان.
هذا الانحراف الهائل
في نظرة أفراد المجتمعات الإسلامية لشهر رمضان وسلوكهم غير المقبول
والمتناقض خلاله مظهر واضح وجلي لدرجة التردي في وعينا ودليل على الفجوة
والبون الشاسع بين سلوكنا وبين تعاليم ديننا بحيث أصبح المسلمون بتصرفاتهم
يسيئون للإسلام أكثر من إساءة أعدائه له، من ثم ارتبط المسلم في أذهان
البعض بسلوكيات غير إيجابية إلى حد أنك عندما تزور بلداً إسلاميا يوجد فيه
أقلية غير مسلمة تجد أبناء تلك الأقلية أقدر على كسب ثقتك وأكثر التزاماً
بمعايير التعامل الأخلاقي، وعندما تزور بلداً غير إسلامي فإن من قد يستهدفك
أو يحاول أن يحتال عليك سيكون على الأرجح شخص وثقت به كونه مسلم مثلك.
وهذه السلوكيات وهذا الانفصام بين واقع المسلمين وبين ما يمليه ويفرضه
عليهم دينهم سبب رئيس للواقع الأليم للمجتمعات الإسلامية في عالم اليوم،
الذي جعلها في ذيل القائمة في كل شأن من شؤون الحياة، بحيث إننا وبدلاً من
إغلاق هذه الفجوة الحضارية بيننا وبين أمم العالم أصبحت هذه الفجوة تزاد
اتساعاً وأوضاعنا تزداد ترديا، وهذا الوعي المتدني لما يعنيه الإسلام لنا
على المستوى الفردي والمجتمعي هو ما يفرز هذه الظواهر السلبية في سلوكياتنا
في رمضان، ومتى ما استطعنا أن ندرك ما يعنيه هذا الشهر ونجحنا في تصحيح
سلوكنا فيه فقد نكون بدأنا أولى خطوات إصلاح واقعنا الذي لا يسر.