الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وأشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سيد المرسلين وإمام المتقين،
وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين ومن اقتفى أثرهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن من نعم الله على هذه الأمة أن جعل فيها مواسم تتضاعف فيها الأجور مثل موسم الحج الذي قال عنه النبي
:
{من حج لله، فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه} [رواه البخاري] ويوم عرفة الذي صيامه يكفر السنة الماضية والسنة القادمة
ويوم عاشوراء الذي صيامه يكفر السنة التي قبله، وهذه المواسم كثيرة ولله
الحمد، ومن هذه الأزمنة الفاضلة التي تتضاعف فيها الحسنات شهر رمضان الذي
ورد في فضل صيامه وقيامه الأجر العظيم حتى العمرة في هذا الشهر جعل الله
أجرها ليس كأجر العمرة في باقي الشهور فهي تعدل حجة مع النبي
وقد كان النبي
يبشر أصحابه بقدوم شهر الخير فيقول:
{أتاكم
شهر رمضان، شهر مبارك، فرض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق
فيه أبواب الجحيم وتغل فيه مردة الشياطين، وفيه ليلة هي خير من ألف شهر،
من حرم خيرها فقد حرم} [صححه الألباني]، وهذا كله من كرم
الله على هذه الأمة، فشهر رمضان شهر مبارك أختصه الله من بين الشهور وأنزل
فيه القرآن الكريم، وأما اليوم فالذي يرى حال المسلمين في هذا الشهر
المبارك فإنه يتحسر على الحال الذي وصلوا إليه من تضييع لهذا الشهر فمن
الناس من تجده إذا أقبل رمضان شمر لهذا الشهر ومنهم من إذا أقبل رمضان تهيأ
لما سوف يعرض في الفضائيات من مسلسلات هابطة وبرامج تافهة ومنهم من إذا
أقبل رمضان تجده ينزعج لقدوم هذا الشهر وينتظر متى ينتهي، لذا فإن الذي يرى
حال الناس فإنه يجدهم ينقسمون إلى ثلاثة أقسام (مشمرون- مفرطون- غافلون)
وعليه فإني أحببت أن أقوم بتوضيح هذه الأقسام الثلاثة حتى يعرف الناس من هو
الفائز ومن هو الخاسر، والله المستعان. المشمرون
هم الذين إذا أقبل رمضان تجدهم قد شمروا عن سواعدهم وتغيروا من
حال إلى حال وكل ذلك لما فيه هذا الشهر من فضائل، فمنهم من تجده قبل رمضان
كان يختم القرآن في الشهر مرة واحدة، وفي رمضان أصبح يختم القرآن مرتين أو
ثلاثة مرات، ومنهم من تجده قد سمع بقول النبي
عندما قال:
{عمرة في رمضان كحجة معي} [صححه الألباني]، فتراه قد سارع بالذهاب إلى مكة لأداء العمرة ومنهم من
كان يقوم الليل بركعة أو ثلاثة ركعات وفي رمضان أصبح من المحافظين على صلاة
التراويح وكذلك تجد له تهجد في آخر الليل، ومنهم من انتهز فرصة شهر رمضان
فتراه قد ذهب إلى أشخاص بينه وبينهم خصومة فسارع إلى إزالة هذه الخصومة
وقام بتأليف القلوب، ومنهم من جعل شهر رمضان بداية الانطلاق للدعوة إلى
الله تجده في الأسواق يقوم بتوزيع الأشرطة والكتيبات النافعة على جميع
الناس ومنهم من قام بأخذ الخادم أو الخادمة وذهب به إلى لجنة توعية
الجاليات أو التعريف بالإسلام وهو متفائل لعل الله يشرح صدره للإسلام،
ومنهم من تذكر قول النبي
عندما سئل: "فأي الصدقة أفضل" قال:
{صدقة في رمضان} [المحدث: المنذري، إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما] وكذلك تذكر قول ابن عباس -رضي الله عنه- عندما قال: "كان رسول الله
أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان" [رواه البخاري]، فقام بالإكثار من
الصدقة على الفقراء، ومنهم من قام بتخصيص مائدة لإفطار الصائمين كي ينال
أجر من يفطر الصائم كما قال رسول الله
:
{من فطر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئا} [صححه الألباني، صحيح الجامع]، وهم الذين يكثرون الدعاء في رمضان لأن النبي
قال:
{ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم...} [المحدث: أحمد شاكر، صحيح]، وكل ذلك ولا عجب فإن الذي يقرأ في سير السلف
يرى العجب من عبادات ومن همم عاليات كانت عندهم في رمضان، فهذا الإمام
الشافعي كان يختم القرآن ستون مرة في رمضان!! وكذلك قتادة كان يختم في ثلاث
أيام فإذا دخلت العشر الأواخر ختم كل يوم والصور في ذلك كثيرة ولا تحصى
جعلنا الله من هذا الصنف الذي بلا شك أنهم هم الفائزون قال -تعالى:
وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّـهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ [النور:52].المفرطون
هم الذين ضيعوا صيامهم بكثير من الأمور المحرمة، فتراهم يقضون
ليل رمضان في السهر بالديوانيات ولعب الورق أو على الطرقات أو لعب كرة
القدم، وهذا ينتج عنه عدم المحافظة على أوقات الصلاة، لذلك تجدهم يستيقظون
من النوم قبل غروب الشمس بقليل ويصلون الظهر والعصر ومنهم من ترك صلاة
التراويح وفضل الجلوس مع الشباب في الديوانية بحجة أنها سنة وليست واجبة،
وقد تغافل هذا النوع من الناس عن قول النبي
:
{نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ} [رواه البخاري]، ومنهم من يظن أن شهر رمضان هو شهر المسلسلات والبرامج
فتراه ينكب على مشاهدة الفضائيات وما يعرض عليها من مسلسلات هابطة وبرامج
تافهة ولا يقيم لهذا الشهر حرمة ولاشك أن مشاهدة هذه المسلسلات الفاسدة وما
يسمى بالفوازير التي تعرض النساء وهن متبرجات أمر محرم شرعا يقول فضيلة
الشيخ صلاح الفوزان: المشروع للمسلم رجلا كان أو امرأة احترام شهر رمضان
وشغله بالطاعات وتجنب المعاصي والسيئات في كل وقت وفي رمضان أكد لحرمة
الزمان. أهـ. والسهر لمشاهدة الأفلام والمسلسلات أو استماع الملاهي
والأغاني كل ذلك محرم ومعصية في رمضان وغيره لكنه في رمضان أشد إثما، فاحذر
أخي المفرط هذه الفتن والمنكرات نحن في شهر رمضان المبارك وتذكر قول النبي
-صلى الله عليه سلم-:
{رغم أنف امرئ أدرك رمضان فلم يغفر له} [المحدث: الألباني، صحيح بشواهده]. الغافلون
هم الذين ساتحوذ الشيطان عليهم نسأل الله لهم الهداية، فتراهم
يعلون شهر رمضان كباقي الأشهر فلذلك تجدهم يتساهلون في إفطار رمضان إما
جميع الشهر أوبعض الشهر بدون عذر والأخطر من ذلك من تراه يجاهر في الإفطار
في نهار رمضان، فتراه يدخن ويأكل ويشرب في الأماكن العامة أو العمل ونسى
قول رسول الله
:
{كل أمتي معافى إلا المجاهرين} [رواه البخاري]، قال الإمام الذهبي: وعند المؤمنين مقرر أن من ترك صوم
رمضان بلا عذر ولا غرض، أنه شر من الزاني والمكاس ومدمن الخمر بل يشكون في
إسلامه، ويظنون به الزندقة والانحلال. أهـ. (كتاب الكبائر)، وهذا ليس بغريب
فهم في شهر رمضان وفي غيره من الأشهر لا يصلون الصلاة المكتوبة فكيف
يصومون وهم لا يصلون ونصيحتي لهذا الصنف من الناس أن يتوبوا إلى الله
ويحذروا عقابه من هذه المعصية فقد ورد في السنة عقوبة من يفطر في نهار
رمضان بدون عذر، قال النبي
:
{بينا
أنا نائم أتاني رجلان فأخذا بضبعي، فأتيا بي جبلا وعرا، فقالا: اصعد،
فقلت: إني لا أطيقه. فقالا: إنا سنسهله لك. فصعدت حتى إذا كنت في سواء
الجبل، فإذا أنا بأصوات شديدة، فقلت: ما هذه الأصوات؟ قالوا: هذا عواء أهل
النار. ثم انطلق بي، فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم، مشققة أشداقهم تسيل
أشداقهم دما. قال: قلت: من هؤلاء؟ قيل: هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم} [صححه الألباني]، فعلى كل من يتساهل بالإفطار في رمضان أن يتوب إلى الله -تعالى-، ويحذر من هذا الصنف الخاسر، يقول الله تعالى:
أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّـهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّـهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:99].كلمة أخيرة
أخي الصائم، احرص على ما تبقى من أيام شهر رمضان المبارك واجتهد
فيه بالأعمال الصالحة والحرص على أداء الصلوات جماعة في المسجد و أحرص على
أداء النوافل والصدقات وبذل المعروف والإحسان، واجعل لك وردا يوميا من
القرآن الكريم فهو خير معين على استثمار وقتك وفي تلاوته الاجر العظيم
واعلم أن المسلم مسئول عن عمره الذي يعيشه هل قضاه في الخير وطاعة الله أمر
في الشهر وطاعة الشيطان، قال النبي
:
{لاتزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال: عن عمره فيما أفناه...} [المحدث: الألباني، صحيح لغيره].
وليسأل المسلم نفسه كل يوم من أيام شهر رمضان ماذا عمل لله -تعالى- وبماذا استغل وقته وليتذكر قول النبي
عندما قال:
{رغم أنف امرئ أدرك رمضان فلم يغفر له} [المحدث: الألباني، صحيح بشواهده]، وكذلك إلى كل صاحب ذنب وزلة وخطيئة،
حان وقت التوبة فتحن في شهر المغفرة والتوبة والرجوع إلى الله فاتق الله
أخي ما استطعت وارجع إليه وتب فإن الله أشد فرحا من العبد بالتوبة.
هذا وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين وسلم.