MR-MooMo 1
عدد المساهمات : 481 نقاط : 1282 تاريخ التسجيل : 11/09/2010 العمر : 29
| موضوع: لحوم العلماء مسمومة الأربعاء يونيو 22, 2011 9:58 pm | |
| لحوم العلماء مسمومة مكانة العلماء وفضلهم و لتتبيان أمر العلماء و من يتناولهم بسوء إليكم رسالة الشيخ "ناصر بن سليمان العمر" بعنوان (لحوم العلماء مسمومة)، نقلتها مع بعض التصرف.
قال الله -تعالى-: (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) . ويقول -سبحانه-: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) ويقول -جل وعلا-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) . وأولو الأمر -كما يقول أهل العلم-: هم العلماء، وقال بعض المفسرين: أولو الأمر: الأمراء والعلماء. ويقول الله عز وجل: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) .
ويقول -تعالى-: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) . وروى البخاري ومسلم عن معاوية رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين " قال ابن المنير -كما يذكر ابن حجر-: "من لم يفقهه الله في الدين فلم يرد به خيرا".
وروى أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: " فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ليلة البدر، العلماء هم ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، إنما ورثوا العلم، فمن أخذ به، فقد أخذ بحظ وافر ".
ومن عقيدة أهل السنة والجماعة - كما يقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي -رحمه الله-: "أنهم يدينون الله باحترام العلماء الهداة"، أي أن أهل السنة والجماعة، يتقربون إلى الله -تعالى- بتوقير العلماء، وتعظيم حرمتهم. قال الحسن: "كانوا يقولون: موت العالم ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار". وقال الأوزاعي: "الناس عندنا أهل العلم، ومن سواهم فلا شيء". وقال سفيان الثوري: "لو أن فقيها على رأس جبل، لكان هو الجماعة".
وحول هذه المعاني يقول الشاعر:
النـاس مـن جهـة التمثـال أكفـاء أبـــوهم آدم والأم حــــــواء فـإن يكـن لهـم فـي أصلهـم نسب يفــاخرون بــه فـالطين والمـــاء مـا الفضـل إلا لأهـل العلـم إنهـم عـلى الهـدى لمـن اسـتهدى أدلــاء وقـدر كـل امـرئ مـا كـان يحسنه والجــاهلون لأهـل العلـم أعــداء
من هذه النصوص الكريمة، ثم من هذه الأقوال المحفوظة تتبين لنا المكانة العظيمة، والدرجة العالية التي يتمتع بها علماء الأمة؛ ومن هنا وجب أن يوفيهم الناس حقهم من التعظيم والتقدير، والإجلال وحفظ الحرمات، قال الله -تعالى-: (وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) ويقول -جل وعلا-: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) والشعيرة -كما قال العلماء-: كل ما أذن الله وأشعر بفضله وتعظيمه، والعلماء -بلا ريب- يدخلون دخولا أوليا فيما أذن الله وأشعر بفضله وتعظيمه، بدلالة النصوص الكريمة السالفة الإيراد.
إذن، فالنيل من العلماء وإيذاؤهم يعد إعراضا أو تقصيرا في تعظيم شعيرة من شعائر الله، وما أبلغ قول بعض العلماء: "أعراض العلماء على حفرة من حفر جهنم"
وإن مما يدل على خطورة إيذاء مصابيح الأمة (العلماء)، ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " قال الله -عز وجل في الحديث القدسي-: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب " .
أخي القارئ الكريم: كلنا يدرك أن من أكل الربا فقد آذنه الله بالحرب، إن لم ينته ويتب عن ذلك الجرم العظيم، كلنا يدرك هذا، ولكن هل نحن ندرك -أيضا- أن من آذى أولياء الله فقد حارب الله -جل وعلا- كما تبين من الحديث السابق؟ هل نحن نستحضر هذا الوعيد الشديد، عندما نهم بالحديث في عالم من العلماء؟
روى الخطيب البغدادي عن أبي حنيفة والشافعي -رحمهما الله- أنهما قالا: "إن لم يكن الفقهاء أولياء الله، فليس لله ولي". قال الشافعي: "الفقهاء العاملون": أي أن المراد: هم العلماء العاملون.
وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: " من آذى فقيها فقد آذى رسول الله صلى الله عليه و سلم ومن آذى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقد آذى الله جل و على " .
لعل في هذه النصوص تبيينا لفضل العلماء، وتذكيرا ببعض ما يجب لهم علينا من الحقوق.
الآثار المترتبة على الوقيعة في العلماء
إن هناك عواقب وخيمة، ونتائج خطيرة، وآثارا سلبية، تترتب على أكل لحوم العلماء؛ والوقوع في أعراضهم. يدرك تلك الآثار من تأمل في الواقع، ووسع أفقه، وأبعد نظره، وإليك أهمها:
1- أن جرح العالم سبب في رد ما يقوله من الحق:
إن جرح العالم ليس جرحا شخصيا، كأي جرح في رجل عامي، ولكنه جرح بليغ الأثر، يتعدى الحدود الشخصية، إلى رد ما يحمله العالم من الحق؛ ولذلك استغل المشركون من قريش هذا الأمر، فلم يطعنوا في الإسلام أولا، بل طعنوا في شخص الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنهم يعلمون -يقينا- أنهم إن استطاعوا أن يشوهوا صورة الرسول صلى الله عليه و سلم في أذهان الناس؛ فلن يقبلوا ما يقوله من الحق، قالوا: إنه ساحر، كاهن، مجنون...، ولكنهم فشلوا -ولله الحمد- في ذلك، وقد كانوا قبل بعثته يصفونه بالأمين، الصادق، الحكم، الثقة. فما الذي تغير بعد بعثته؟ ما الذي حوله إلى كاهن، مجنون، ساحر؟ إنه هو هو، ولكنهم يقصدونه بصفته رسولا يحمل منهجا هم يحاربونه، فعلموا أنهم إن استطاعوا تشويه صورته في نفوس الناس؛ فقد نجحوا في صدهم عنه، وعما معه من الحق، وهذا هو أسلوب المنافقين اليوم.
2- أن جرح العالم جرح للعلم الذي معه:
وهو ميراث النبي صلى الله عليه و سلم إذ العلماء ورثة الأنبياء؛ فجرح العالم جرح للنبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا هو معنى قول ابن عباس: " من آذى فقيها فقد آذى رسول الله صلى الله عليه و سلم ومن آذى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقد آذى الله -جل وعلا- " إذن، فالذي يجرح العالم يجرح العلم الذي معه. ومن جرح هذا العلم فقد جرح إرث النبي صلى الله عليه و سلم وعلى ذلك فهو يطعن في الإسلام من حيث لا يشعر.
3- أن جرح العلماء سيؤدي إلى بعد طلاب العلم عن علماء الأمة:
وحينئذ يسير الطلاب في طريقهم بدون مرشدين؛ فيتعرضون للأخطار والأخطاء، ويقعون في الشطط والزلل، وهذا ما نخشاه على شبابنا اليوم.
4- أن تجريح العلماء تقليل لهم في نظر العامة:
وذهاب لهيبتهم، وقيمتهم في صدورهم، وهذا يسر أعداء الله ويفرحهم، يقول أحد الزعماء الهالكين في دولة عربية بعد أن سلط إعلامه على العلماء، مستهترا مستهزئا بهم-: "عالم.. شيخ.. أعطه فرختين؛ فيفتي لك بالفتوى التي تريد".
لقد سقطت قيمة العلماء عند العامة، في كثير من الدول الإسلامية، ذهبت إلى بعض تلك الدول، وسألت عن العلماء، فما وجدت الناس يعرفون العلماء، ولا يأبهون للعلماء؛ لأن العلمنة سلطت سهامها عليهم، فشوهت صورتهم، ولطخت سمعتهم؛ فأصبحوا من سقط المتاع في نظر كثير من الناس.
5- تمرير مخططات الأعداء:
ومن الأمثلة الواقعية لذلك: الطعن في رجال الحسبة، والطعن في القضاة، والطعن في الدعاة. أما رجال الحسبة فكثير منهم طلاب علم، أصبحت أعراضهم ودماؤهم مستباحة، فتجد العامة والمنافقين العلمانيين، يستطيلون في أعراضهم، بل ربما وقع ذلك من بعض طلبة العلم، تجلس في بعض المجالس فتسمع الكلام السيئ في هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: أخطأ رجال الهيئة.. فعل رجال الهيئة.. ترك رجال الهيئة..، سبحان الله!! أما يخطئ إلا رجال الهيئات! لماذا لا تذكر أخطاء غيرهم؟!
اطلعت قريبا على فتوى لسماحة الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله- ينبه فيها إلى خطورة التعرض لطلاب العلم، وقصتها أن مجموعة من طلاب العلم اشتكوا أحد المسئولين -ويبدو أنهم زادوا في الشكوى- فأهينوا وسجنوا، لكن هل سمعتم أن أحدا سجن لأنه تكلم في أعراض رجال الحسبة!!
لقد جاءني بعض شباب الهيئات، يشتكون من تطاول الناس عليهم، وعدم وجود من يحميهم، حتى أصبحوا هم المتهمين.
ومع ذلك نجد بعض المحسوبين على الدعاة وطلبة العلم، يستمرئون ركوب الموجة الخبيثة، التي تهدف إلى محاربة الهيئات والقضاء عليها، من حيث لا يشعرون.
إننا لو ذهبنا نحصي أخطاء الآخرين من غير رجال الهيئات لوجدنا أخطاءهم أضعاف أخطاء رجال الهيئات، ولكنها قالة سوء روَّج لها الحاقدون، وساعدهم عليها المغفلون.
وأما القضاة فهم كذلك، يتعرضون للطعن فيهم، وأكل لحومهم، فإنك تجد كثيرا من الناس، يرددون أن القاضي الفلاني فيه كذا، والقاضي الفلاني فعل كذا، والقاضي الفلاني اشترى أرض كذا، والقاضي الفلاني اشترى السيارة الفاخرة، والقاضي الفلاني يؤخر المعاملة، حتى قال قائلهم: نحن لسنا بحاجة إلى القضاة وتعقيداتهم، القانون الفرنسي أرحم لنا منهم.
سبحان الله!! هل الخطأ خاص بالقضاة وغيرهم ملائكة!! إنها حملة مقصودة، ينفخ فيها الضالون؛ من أجل تحطيم القضاء الشرعي.
وأما الحديث عن الدعاة فحدث ولا حرج، لقد وصم الدعاة بألقاب لم نكن نعرفها، وصفوا بالمتطرفين، ووصفوا بالمتزمتين، و... و.... إلى آخر القاموس الظالم، الذي سلطه الحاقدون على الدعاة؛ تشويها لسمعتهم؛ وتبشيعا لواقعهم في عقول الناس.
كل تلك الحملات الشعواء على العلماء وطلاب العلم والقضاة والمحتسبين والدعاة؛ تؤدي إلى تمرير مخططات الأعداء، وتحقيق أهدافهم، فاليقظة اليقظة.
ما يجب علينا تجاه العلماء
1- أن نحفظ للعلماء مكانتهم وفاعليتهم في قيادة الأمة وأن نتأدب معهم:
إن في معاملة السلف لعلمائهم لقدوة لنا، يجب الاقتداء بها، وإن فيما سطروه من بيان لآداب طالب العلم لنورا، ينبغي لشداة العلم أن يستنيروا به في طريق الطلب. قال العراقي: " لا ينبغي للمحدث أن يحدث بحضرة من هو أولى منه بذلك، وكان إبراهيم والشعبي إذا اجتمعا لم يتكلم إبراهيم بشيء". وقال ابن الشافعي: "ما سمعت أبي ناظر أحدا قط فرفع صوته ". وقال يحيى بن معين: "الذي يحدث بالبلد وفيها من هو أولى منه بالتحديث فهو أحمق ". وقال الصعلوكي: "من قال لشيخه: لِمَ -على سبيل الاستهزاء- لم يفلح أبدا". وتأدب ابن عباس رضي الله عنه مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث مكث سنة وهو يريد أن يسأله عن مسألة من مسائل العلم، فلم يفعل. وقال طاووس بن كيسان: "من السنة أن يوقر العالم ". وقال الزهري: "كان أبو سلمة بن عبد الرحمن يماري ابن عباس؛ فحرم بذلك علما كثيرا ". وقال البخاري: "ما رأيت أحدا أوقر للمحدثين من يحيى بن معين ". وقال المغيرة: "كنا نهاب إبراهيم كما نهاب الأمير ". وقال عطاء بن أبي رباح: "إن الرجل ليحدثني بالحديث، فأنصت له كأني لم أسمعه أبدا، وقد سمعته قبل أن يولد". وقال الشافعي: "ما ناظرت أحدا قط إلا تمنيت أن يجري الله الحق على لسانه ". وذكر أحد العلماء عند الإمام أحمد بن حنبل -وكان متكئا من علة - فاستوى جالسا وقال:" لا ينبغي أن يذكر الصالحون فنتكئ". وقال الجزري: "ما خاصم ورع قط ". وبمثل هؤلاء يحسن الاقتداء (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) .
2- أن نعلم أنه لا معصوم إلا من عصم الله، وهم الأنبياء والملائكة:
وعلى ذلك فيجب أن ندرك أن العالم معرض للخطأ، فنعذره حين يجتهد فيخطئ، ولا نذهب نتلمس أخطاء العلماء ونحصيها عليهم. ولقد كان سلف الأمة -رحمهم الله- يستحضرون هذا الأمر، ويفقهونه حق الفقه. قال الإمام سفيان الثوري: "ليس يكاد يثبت من الغلط أحد". وقال الإمام أحمد: "ومن يعرى من الخطأ والتصحيف!!" وقال الترمذي: "لم يسلم من الخطأ والغلط كبير أحد من الأئمة مع حفظهم ". وقال ابن حبان: "وليس من الإنصاف ترك حديث شيخ ثبت صحة عدالته بأوهام يهم في روايته، ولو سلكنا هذا المسلك، ترك حديث الزهري وابن جريج والثوري وشعبة؛ لأنهم أهل حفظ وإتقان، ولم يكونوا معصومين حتى لا يهموا في رواياتهم ".
3- أن ندرك أن الخلاف موجود منذ عهد الصحابة إلى أن تقوم الساعة:
لذلك يجب أن تتسع صدورنا للخلاف بين العلماء، فلكل واحد منهم فهمه، ولكل واحد اطلاعه على الأدلة، ولكل واحد نظرته في ملابسات الأمور، فمن الطبيعي أن يوجد الخلاف بينهم، وانظر ما ذكره كثير من العلماء في هذا الموضوع ككتاب "رفع الملام عن الأئمة الأعلام"، لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-.
4- أن نفوت الفرصة على الأعداء، وننتبه إلى مقاصدهم وأغراضهم، وأن ندافع عن علمائنا، لا أن نكون من وسائل تمرير مخططات الأعداء من حيث لا نشعر.
5- أن نحمل أقوال علمائنا وآراءهم على المحمل الحسن، وألا نسيء الظن فيهم، وإن لم نأخذ بأقوالهم. حقا أننا لسنا ملزمين بالأخذ بكل أقوال العلماء، لكن ثمة فرقا كبيرا بين عدم الأخذ بقول العالم -إذا كان هناك دليل يخالفه- والجرح فيه، فلا يعني عدم اقتناعنا برأي العالم أن نستبيح عرضه، ونأكل لحمه، ولقد كان الإمام الشافعي -رحمه الله- يقول: "إذا صح الحديث فهو مذهبي" ونقل ذلك عن غير واحد من الأئمة؛ فقد كانوا يدركون أنه ليس أحد متعبدا بقول عالم، فقد يكون قوله مخالفا للدليل؛ لأنه لم يبلغه -مثلا- لكن تبقى حرمة العالم مصونة من الطعن والوقيعة. قال عمر رضي الله عنه "لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المسلم سوءا وأنت تجد لها في الخير محملا".
6- أن ننتبه إلى أخطائنا وعيوبنا نحن، وننشغل بها عن عيوب الناس عامة، وعن أخطاء العلماء خاصة.
يـا واعـظ الناس قد أصبحت متهما إن عبـت منهـم أمـورا أنت تأتيها وأعظـم الإثـم بعـد الشـرك نعلمه فـي كـل نفس عماها عن مساويها عرفتهـا بعيـوب النـاس تبصرهـا منهـم ولا تبصـر العيب الذي فيها وما مثل من يقع في أعراض العلماء وينسى نفسه إلا كما قال الشاعر:
كنـاطح صخرة يوما ليوهنهـا فلـم يضرهـا, وأوهـى قرنه الوعل
أو كما قال الآخر:
يـا نـاطح الجـبل العـالي ليثلمـه أشفق على الرأس لا تشفق على الجبلقد يقصر العالم، ولكن هل يعني تقصيره أن نترك علمه وعمله؟!
اعمـل بعلمـي وإن قصرت في عملي ينفعـك علمي, ولا يضررك تقصيري السبيل السليم لبيان الحق بدون الوقوع في العلماء
بعض الناس اليوم وقعوا بين إفراط وتفريط، ففريق يطعنون في العلماء ويتهمونهم كلما قالوا شيئا. وفريق آخر إذا سمعوا عالما أو طالب علم يبين الحق بدليله قالوا: إنه يقع في أعراض العلماء، ويحدث فتنة. وكلا الفريقين مجانب للمنهج الصحيح في هذا الباب.
فما المنهج الصحيح الذي نجمع فيه بين بيان الحق وحماية أعراض علمائنا، غير ملتزمين بقول إلا إذا كان مقرونا بالدليل؟
يمكن توضيح ذلك المنهج كما يلي:
1- التثبت من صحة ما ينسب إلى العلماء.
فقد يشاع عن العلماء أقوال لأغراض لا تخفى، فيجب التأكد مما ينقل عن العلماء، فقد يكون غير صحيح، ولا أساس له، وكم سمعنا من أقوال نسبت إلى كبار علمائنا، ولما سألناهم عنها تبين أنهم براء منها، هناك غير قليل من الناس يجلس أحدهم في المجلس ويقول: الشيخ فلان -هداه الله- فيه كيت وكيت، فتسأله: لماذا؟، فيقول: إنه يقول: كذا وكذا، حتى إذا ذهبت إلى ذلك الشيخ وسألته عن صحة ما نقل عنه، قال: والله ما قلت شيئا من هذا!! إذن فالتحقق من صحة ما يعزى إلى العالم يعد خطوة أولى في المنهج الصحيح الذي نحن بصدده.
2- أن نعرف أن عدم الأخذ بقول العالم وأن مناقشته، والصدع ببيان الحق، يختلف تماما عن الطعن في العلماء، فالفرق بين الأمرين عظيم جدا، يجوز لنا ألا نأخذ بالفتوى، إذا لم توافق الدليل، لكن لا يجوز لنا الطعن في العلماء.
3- أن يقصد المتحدث بكلامه وجه الله -جل وعلا- فيستحضر الإخلاص، ويحذر من الأغراض الشخصية العارضة كالهوى والتشفي وحب الظهور، (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) . ولينتبه فإنه قد يكون رده في الأصل بإخلاص وتجرد لله، ثم تدخل عليه أعراض يوسوس إليه بها الشيطان، من حب البروز وغيره من الآفات المفسدة للنية.
4- الإنصاف والعدل:
المتأمل في واقع بعض طلاب العلم يجدهم إما أن يأخذوا كل ما يقوله العالم، أو يردوا كل ما يقوله، وهذا خلاف ما أمر الله -تعالى- به من العدل والإنصاف، قال -تعالى-: (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) ، والعدل والإنصاف هو منهج أهل السنة والجماعة، قال شيخ الإسلام -ابن تيمية-: "أهل السنة أعدل مع المبتدعة من المبتدعة بعضهم مع بعض".
والعدل والإنصاف مع العلماء يتضمن أمورا:
أ- الثناء على العالم بما هو أهل له.
ب- عدم التجاوز في بيان الخطأ الذي وقع فيه، فإذا وقع أحد العلماء في خطأ، وأردت أن تبين خطأه، فلا تذهب تحصي جميع أخطائه، وتستطيل في عرضه، وإنما احصر حديثك في القضية التي تريد بيان الحق فيها، ولا تتجاوزها، وإياك أن يستجرك أحد إلى تجاوزها.
5- أن نسلك منهج رجال الحديث في تقويم الرجال:
إن على من يتصدى لبيان الحق في مسألة أخطأ فيها أحد العلماء، أن يسلك المنهج الدقيق المنصف الذي رسمه رجال الحديث -رحمهم الله-، وثمة رسالة جميلة مختصرة، صغيرة في حجمها، كبيرة في قيمتها، تبين هذا المنهج، وعنوانها:" منهج أهل السنة والجماعة في تقويم الرجال ومؤلفاتهم" للشيخ: أحمد الصويان، فأحيل القارئ الكريم إليها، ففي النهر ما يغني عن الوشل.
6- أن نعلم أن خطأ العالم على نوعين: خطأ في الفروع، وخطأ في الأصول.
أما مسائل الفروع فهي مسائل اجتهادية، يجوز فيها الخلاف، فإذا أخطأ فيها العالم؛ بينا خطأه فيها، بدون تعرض لشخصه.
وأما مسائل الأصول (العقيدة)، فيبين القول الصحيح فيها، ويحذر من أهل البدع في الجملة، وينبه إلى خطورة الداعي إلى بدعته، بدون إفراط ولا تفريط، يقول شيخ الإسلام: "أهل السنة أعدل مع المبتدعة بعضهم مع بعض"، فالمبتدعة يأكل بعضهم لحوم بعض، وكل فئة تغمط الأخرى حقها، وأما أهل السنة فينصفون حتى مع الكفار، فضلا عمن كان مخطئا خطأ دون الكفر.
إن بعض الناس اليوم يميلون ميلا عظيما عن طريق أهل السنة والجماعة في هذا الباب، فقد استمعت منذ فترة إلى قصة مؤلمة محزنة، وهي أن نفرا اتهموا أحد الدعاة بأخطاء في العقيدة، ولم يقتصروا على بيان أخطائه العقيدية، بل مضوا يذكرون عنه قصصا شخصية في بيته: عن زوجته، وعن بنته، وعن أولاده، سبحان الله! لماذا الحديث عن زوجته وبنته وأولاده؟! ما الداعي للطعن في شخصه؟! حقا إننا لا نحث على السكوت عن الخطأ، ولكننا ندعو إلى الأسلوب الصحيح، لبيان الحق وتوضيح الخطأ.
7- أخيرا: إذا أمكن الاتصال بمن وقع منه الخطأ سواء في الأصول أو الفروع - لعله يرجع إلى الصواب، فهذا أولى؛ لأن الحق هو المقصود، وفي رجوع المخطئ بنفسه عن قوله وإعلانه ذلك للناس خير كثير؛ لأنك إن رددت عليه، وبينت الحق فقد يقتنع نصف الناس، أما إذا رجع هو بنفسه بعد مناصحتك له، وتخويفك إياه بالله فسيقتنع كل الناس الذين أخذوا بقوله.
ومما يذكر في هذا المقام أن اثنين من العلماء اختلفا في مسألة، فلم يذهب كل واحد منهما يخطئ صاحبه عند الناس، بل اجتمعا وتناظرا، فكانت نهاية المناظرة أن أخذ كل واحد منهما بقول الآخر؛ لأن مرادهما هو الحق.
وفي الختام
هناك أمور لا بد من بيانها:
أولاً: أننا لا ندعو إلى تقديس الأشخاص.
أو التغاضي عن الأخطاء، أو السكوت عن الحق، بل ندعو إلى المنهج الصحيح في بيان الحق، بدون انتهاك لأعراض العلماء، فلا إفراط ولا تفريط، ولا غلو ولا جفاء.
ثانياً: انطلقت في الأيام الماضية دعوى الإجماع.
ولقد وردتني أسئلة كثيرة تقول: فلان يخالف إجماع العلماء، وفلان يخالف ما أجمع عليه العلماء، يريد أن يحدث فتنة، وأقول لهؤلاء: إن الإجماع ليس بالأمر اليسير، هناك فرق كبير جدا بين الإجماع والاجتماع.
الإجماع -كما بينه العلماء-: هو أن يجمع علماء الأمة المعتد بهم في عصر من العصور على مسألة من المسائل.
ولو خالف واحد منهم لم ينعقد الإجماع، ليس الإجماع إجماع أهل بلد فقط، بل هو إجماع علماء الأمة المعتد بهم في مشارق الأرض ومغاربها.
إذن، فالإجماع له ضوابط وشروط، وليس أمرا هينا؛ ولذلك قال بعض العلماء: إن الإجماع لم ينعقد بعد الصحابة. فليتريث الذين يدعون الإجماع، وليعلموا أن العبرة ليست بكثرة القائلين بقول ما وإنما العبرة بصحة القول المقرون بالدليل.
ثالثاً: قد يفتي بعض العلماء بفتوى لها أسبابها.
فيخالفهم فيها آخرون من العلماء أو طلبة العلم، فيطعن في المخالف، ويتهم بإثارة الفتنة، وحب الظهور، وسرقة الأضواء، وقلة العلم.. إلخ.
وهذا تصرف غير سليم، فعلينا أن ننتبه، في هذا الأمر، لما يأتي:
(أ) أن كلا يؤخذ من قوله ويرد، إلا الرسول صلى الله عليه و سلم وما جاء به. (ب) أن المخالفين علماء، كما أن المخالفين علماء، فيجب تقدير المخالفين، وحفظ أعراضهم، وعدم أكل لحومهم.
(ج) أن نعلم أن الرجال يعرفون بالحق، ولا يعرف الحق بالرجال.
(د) أن نتثبت من صحة الفتوى واكتمال شروطها عند كل فريق من الفريقين، فالمهم هو صحة الفتوى، واكتمال شروطها، بغض النظر عن الفريق الذي صدرت منه من الفريقين.
(هـ) أن مسائل الاجتهاد يسوغ فيها الخلاف، ولقد وقع الخلاف بين الصحابة في فهم قول الرسول صلى الله عليه و سلم " لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة " رواه البخاري، ووقع الخلاف بينهم بعد وفاة الرسول صلى الله عليه و سلم لكن ذلك لم يؤد بهم إلى الفتنة والطعن في الأعراض.
فيجب إذن ألا نضيق على أنفسنا، وأن تتسع صدورنا للخلاف في المسائل الاجتهادية.
(و) أن المخالفة ليست خطأ، ولا عبرة هنا بصغر سن المخالف أو كبره، بل العبرة بتوافر شروط الفتوى، ولم يزل العلماء قديما وحديثا يخالف صغيرهم كبيرهم، وقد يكون الحق مع الصغير.
ومن أمثلة ذلك أن ابن تيمية -رحمه الله- خالف علماء بلده ممن هو أكبر منه سنا، وثبت أن الحق معه. ومن الأمثلة -كذلك- أن سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -حفظه الله- خالف سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله- في حياته في فتوى أفتى بها، فلم يقل الشيخ محمد: من أنت حتى تخالفني، وهذا دليل على رسوخ علم الشيخ محمد -رحمه الله- وما قال الناس ذلك، وكان الراجح هو قول الشيخ عبد العزيز -وفقه الله-.
رابعاً: لماذا تبرز أخطاء العلماء أكثر من غيرهم؟
السبب في ذلك هو أن العلماء هم صفوة الأمة، وخيارها، وقدوتها، وأحمدها سيرة، فإذا وقع منهم خطأ كان واضحا جليا؛ لأنه بمثابة النقطة السوداء في صفحتهم، قد يقصر العالم ولكن هل يعني تقصيره أن نترك علمه وعمله؟! وما مثل العالم إلا كمثل الثوب الأبيض، إذا أصابته نقطة -مهما كان صغرها- برزت فيه وظهرت، ومن هنا وجب على العلماء أن يتنبهوا لذلك الأمر؛ بأن يتفقدوا أنفسهم، ويتفطنوا لأعمالهم وتصرفاتهم وأقوالهم، كما وجب -كذلك- على الناس ألا يضخموا هفوات علمائهم، ولا ينفخوا فيها.
خامساً: احذر من الذم الذي يشبة المدح.
بعض الناس يسهب في الثناء على شيخ من المشايخ، ويخلع عليه من نعوت الفضل وألقاب التوقير شيئا كثيرا، ثم يقول -مثلا-: (لكن الشيخ حبيب) أو طيب القلب، وهو يقصد أنه قد يستغفل، أو غير ذلك من الأساليب المغلفة بغلاف المدح، وهي للتنقص، وإن على هؤلاء الذين يستخدمون هذه الأساليب، أن يخافوا الله ويتقوه، وأن يدركوا خطورة ما يقولون، وأن يتوبوا إلى الله ويستغفروه، وأن يعتذروا ممن انتقصوه.
سادساً: أن من أساء الأدب مع العلماء فسيلقى جزاءه، عاجلا أو آجلا.
قال الإمام الذهبي في ترجمة ابن حزم: "وصنف كتبا كثيرة، وناظر عليه، وبسط لسانه وقلمه، ولم يتأدب مع الأئمة في الخطاب، بل فجج العبارة، وسب وجدع، فكان جزاؤه من جنس فعله، بحيث إنه أعرض عن تصانيفه جماعة من الأئمة، وهجروها، ونفروا منها، وأحرقت في وقته".
والواقع يشهد أن الذي يسب العلماء، ويتجرأ عليهم، يسقط من أعين العامة والخاصة.
ويقول الحافظ ابن رجب: "والواقع يشهد بذلك، فإن من سبر أخبار الناس وتواريخ العالم وقف على أخبار من مكر بأخيه، فعاد مكره عليه، وكان ذلك سببا لنجاته وسلامته". أي: سببا لنجاة الممكور به وسلامته.
سابعاً: على العلماء وطلاب العلم.
الذين يبتلون بالتعرض للطعن وكلام الناس فيهم عليهم أن يصبروا ويتقوا الله، وأن يعلموا أنهم ليسوا أفضل من الأنبياء والمرسلين، فالرسول صلى الله عليه و سلم لم يسلم من الكلام فيه، وطعن حتى في أهله؛ في حادثة الإفك. فللعلماء أسوة في رسول الله صلى الله عليه و سلم فليقتدوا به، وليعلموا أن العاقبة للمتقين، قال تعالى: (قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) وقال -جل وعلا- عن موسى: (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) وقال -سبحانه-: (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) .
ولسـت بنـاج مـن مقالـة طــاعن ولـو كـنت فـي غار على جبل وعر ومـن ذا الذي ينجو من الناس سالما ولـو غـاب عنهـم بين خافيتي نسر
ثامناً: احذر من التعميم.
إن قضية التعميم في الأحكام قضية خطيرة جدا، وقد وقع كثير من الناس في هذه الظاهرة التي تدل على قلة الوعي وعدم الإنصاف، ترى أحدهم يقول: العلماء فعلوا، والعلماء قالوا، والعلماء قصروا، والعلماء غلطوا -بهذا التعميم-، والتصرف السليم أن يعمم في الخير، ولا يعمم في الشر، ومن فضل الله -تعالى- أن الرحمة تعم كالمطر، والعقاب يخص (فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ) .
ومن كرمه سبحانه أن الرحمة تشمل خليط الأخيار -وإن لم يكن منهم-: " هم القوم لا يشقى بهم جليسهم " ولقد اطلع الله على أهل بدر فقال: " اذهبوا مغفورا لكم " متفق عليه، وأما العقاب: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) .
تاسعاً: أخيرا أقول للمتحدثين في العلماء.
اتقوا الله، توبوا إلى الله، أنيبوا إلى الله، أثنوا على العلماء بمقدار غيبتكم لهم، وإلا فأنتم الخاسرون، والعاقبة للمتقين، وما مثلكم إلا كما قال الأول:
كنــاطح صخــرة يومـا ليوهنهـا فلـم يضرهـا, وأوهـى قرنه الوعل
وقول الآخر:
يـا نــاطح الجــبل العــالي ليثلمه أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل
فتنبهوا، وصححوا المنهج، وانظروا في العواقب، واحفظوا حرمات الله، يحفظكم الله، ويغفر لكم.
هذا، وأسأل الله أن ينفعنا بما علمنا، وأن يعيذنا من فتنة القول والعمل، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
| |
|
فارس على جواد اصيل
عدد المساهمات : 4 نقاط : 4 تاريخ التسجيل : 17/07/2011
| موضوع: رد: لحوم العلماء مسمومة الأربعاء يوليو 20, 2011 11:37 am | |
| موضوعك متميز جدااااا جزاك الله خير | |
|