مِنْ فضلِ اللهِ على عبادهِ أنْ جعلَ لهم مواسمَ يحيونَ فيها بطريقةٍ مختلفةٍ
عمَّا اعتادوه؛ ففي تغييرِ النِّظامِ الحياتي فوائدُ كثيرةٌ على الفردِ
والمجتمع، وما شهرُ رمضانَ الأجلِّ إلاَّ مثالٌ صريحٌ على هذهِ الهباتِ
الرَّبانية؛ حيثُ تعتدلُ طبائعُ النَّاسِ وعاداتُهم ويرتقي السلوكُ البشريُ
وتزولُ الضغائنُ ويتقاربُ البعداءُ وتزيدُ حركةُ الإحسانِ وينشطُ أهلُ الخيرِ
في أعمالِ البرِ على كلِّ صعيد.
ومَعْ ما لهذا الشهرِ الكريمِ مِنْ آثارٍ حميدةٍ إلاَّ أنَّ النُّفوسَ البشريةَ
بدأتْ تضعفُ في الاستجابةِ لنداءِ الإصلاحِ والتعرضِ لنفحاتِ البركةِ
الرمضانية؛ وهذا أمرٌ غيرُ مستغربٍ لجريانِه ضمنَ الضعفِ العامِّ للواحدِ
والجماعةِ إضافةً إلى سطوةِ الإعلامِ المرئي وأثرهِ على خلخلةِ القيمِ وإعادةِ
ترتيبِ الأولوياتِ حسبما يراها الفسّاقُ مِنْ مُلاكِها والقائمينَ عليها.
لقدْ كانَ الإعلامُ الرمضانيُ قبلَ عشرينَ عاماً محافظاً- معْ ما فيهِ من
مخازي- إذا قسناهُ إلى أيامنا هذه؛ ولا ندري كيفَ سيكونُ وجهُ الإعلامِ
الرمضاني في السنواتِ القادمةِ إنْ لمْ يتداركنا اللهُ برحمتِه مِنْ خلالِ
إستراتيجياتٍ محكمةٍ نرسمُها لمواجهةِ هذا البلاءِ والظفرِ بالنَّصيبِ الأكبرِ
مِنْ سوقِ الإعلامِ الرمضاني. وإنَّ توجهَ بعضِ قنواتِ الإعلامِ النَّقي
للترفيهِ في رمضانَ ومجاراةِ القنواتِ الأخرى قدْ يزيدُ مِنْ المشكلةِ ولا
يساعدُ في حلِّها، حيثُ يرسخُ لدى النَّاشئةِ أنَّ رمضانَ شهرٌ للموادِ
الإعلاميةِ الترفيهيةِ هابطةً كانتْ أمْ غيرَ هادفة، كما أنَّ الاعتمادَ على
الحكوماتِ كالخطِّ على الماءِ لا ينفعُ إلاَّ لإبراءِ الذِّمة؛ ولذا فلا بدَّ
مِنْ منافسةٍ إعلاميةٍ مهنيةٍ هادفةٍ في شهرِ رمضانَ على وجهِ الخصوصِ لإقبالِ
القلوبِ واستعدادها؛ إذ أنَّ الارتقاءَ بالوعي ونشرِ أدواتهِ في المجتمعِ أولُّ
طرقِ التغييرِ المنهجي.
إنَّ رمضانَ شهرُ عطاءٍ وإقبالٍ وبذلٍ وأوبةٍ؛ إنَّه شهرُ القرآنِ والصدقاتِ
والصفاءِ والصدق، وقمينٌ بنا تعزيزُ هذهِ المظاهرِ الرمضانيةِ الإيجابيةِ في
المجتمعِ مِنْ خلالِ المسجدِ والحلْقةِ والمنزلِ واجتماعاتِ العائلةِ والجيرانِ
وزملاءِ العمل، وحريٌ بحَمَلةِ الهمِّ توسيعُ نطاقِ الدَّعوةِ والتوجيهِ لتشملَ
كافةَ مؤسساتِ المجتمعِ بواسطةِ وسائلِ الإعلامِ ومواقعِ الانترنت حتى يعمَّ
نفعُها فئامٌ كثيرٌ مِنْ الأمَّةِ المحمَّديةِ التي يتوقُ شُبَّانُها
وشابَّاتُها لنُصرَةِ دينِهم وكتابِ ربِّهم وسنَّةِ نبيهم- عليه الصلاةُ
والسلام- عِلمَاً وعملاً ودعوة؛ فما أجملَ أنْ يكونَ شهرُ رمضانَ موسمُ
استقطابٍ وتحسينٍ وتغييرٍ للأفضلِ وبثٍّ للروحِ الإيجابيةِ في ناشئةِ العربِ
والمسلمينَ ورجالِهم ونسائِهم؛ حتى يعلمَ كلُّ واحدٍ منهم أنَّهُ على ثغرٍ في
عمله القلبي والظاهرِ وفي سلوكهِ ولباسِه وحديثِه وفي واجبهِ تجاهَ مجتمعهِ
الصغيرِ والكبير، وحينها سترتفعُ عن أمتنا الذلةُ وتؤولُ المسكنةُ إلى أهلِها
ونكونُ خيرَ أمَّةٍ أُخرجتْ للنَّاس.
وفي هذا السياقِ المباركِ يسعى مركزُ حلول للاستشاراتِ والتدريبِ لإنتاجِ
برنامجٍ مرئيٍ بعنوان "رمضان غيرني"؛ ويشرفُ على هذا العملِ الإبداعي فضيلةُ
الشيخِ الدكتور عبدُ العزيزِ بنُ عبدِ الله الأحمد، وسوفَ يُبثُ عبرَ بعضِ
القنواتِ الفضائيةِ النَّقيةِ إضافةً إلى موقعِ المركزِ على الشبكةِ العنكبوتية،
وهوَ برنامجٌ جديدٌ في فكرتهِ جادٌ في طرحهِ؛ ونسألُ اللهَ لهُ النجاحَ
والتأثيرَ الميمونَ وللقائمينَ عليهِ والمشاركينَ فيهِ التوفيقَ والأجر.
أحمد بن عبد المحسن العسّاف-الرياض