سندريلا
عدد المساهمات : 760 نقاط : 1978 تاريخ التسجيل : 12/10/2010 العمر : 38
| موضوع: بين الصداقة و الحب و الجنس ... الثلاثاء أبريل 12, 2011 7:42 pm | |
| بين الصداقة و الحب و الجنس ... <blockquote class="postcontent restore "> خريطة الحب
ماهو الحب ؟ كلمة حب هى كلمة من حرفين سحريين هما الحاء والباء, وعلى الرغم من قلة مبناها إلا أن معانيها وما بنى عليها من مشاعر وقصص وأحداث فى التاريخ الإنسانى يفوق ملايين الكلمات الأخرى فى كل اللغات والثقافات , وبناءا على ذلك نجد الكثيرين من الضحايا سقطوا على طرقات الحياة وفى دهاليزها وفوق مرتفعاتها وهم يبحثون عن الحب بلا خريطة تهديهم أو بوصلة توجههم . ولكلمة الحب معان متباينة لدى الشعوب والأفراد , وفيما يلى نحاول ضبط معناه لغويا واصطلاحيا ثم معرفة مستوياته وأقسامه بغية الحصول على خريطته وبوصلته حتى لا نتوه بعيدا عنه فنلحق بملايين الضحايا الذين سبقونا . فالحب هو ميل الطبع للشئ اللذيذ , وهو الوداد , وهو ميل إلى الأشخاص أو الأشياء العزيزة أو الجذّابة أو النافعة , وله أسماء وحالات ومستويات كثيرة تدور كلها حول المعانى التالية : 1 – الميل الوجدانى للمحبوب 2 – الإحساس بالإرتباط الشديد به 3 – الشوق والحنين إليه 4 – الرغبة فى الإقتراب الأبدى منه 5 – الشعور بالعذاب والضياع فى حالة البعد عنه الحب والصراع : أهم قانونين يحكمان الحياة وحركة البشر فيها هما قانون الحب وقانون الصراع , والحب ولد مبكرا بين آدم وحواء مع خلق الإنسان , ثم جاء الصراع لاحقا بين قابيل وهابيل , أى أن الحب أطول عمرا من الصراع , وهو بالإضافة لذلك أقوى تأثيرا فى حياة الناس بدليل استمرار الحياة ونموها وتطورها على الرغم من الصراعات العديدة , فطالما أن الحياة تسير وتنمو وتتطور فهذا دليل على غلبة قانون الحب على قانون الصراع لأن قانون الحب يعنى البناء والنمو والجمال فى حين أن قانون الصراع يتجه غالبا نحو التدمير والموت والفناء . وكل شخص يتكون لديه قانونه الخاص الذى يحكم سلوكه , فإما قانون الحب (إذا كانت البيئة الأسرية راعية ومطمئنة) أو قانون الصراع ( إذا كانت البيئة الأسرية ناقدة ومهددة وقاسية ) , وقد تتكون درجات بينية بين هذا وذاك طبثقا لتباينات الطبيعة الوالدية , وهذا القانون يتشكل – طبقا لرؤية العالم النفسى إريك إريكسون – فى السنة الأولى من العمر ولهذا أطلق إريكسون على هذه المرحلة العمرية المبكرة وصف "الثقة مقابل عدم الثقة" . الحب والجنس : كان الإغريق القدماء لا يعترفون إلا بالحب الجنسى , لكن أفلاطون جعل للحب معنى متساميا وجعل له درجات متصاعدة سنذكرها فيما بعد , وسمى هذا النوع من الحب المتسامى " الحب الأفلاطونى " . ثم عاد فرويد مرة أخرى للمفهوم الإغريقى وقال بأن الحب ماهو إلا مظهر لغرائز الجنس , ويختلف التعبير عنه بحسب تطور الليبيدو (الطاقة الجنسية) عند الشخص ابتداءا بالطفولة وانتهاءا بالكهولة , وقد يحدث نكوص (عودة إلى أنماط بدائية للحب كانت سائدة فى المراحل المبكرة ) أو تثبيت (توقف عند نمط أو أنماط معينة للحب رغم تغير مراحل العمر ), وقد يحدث تسامى (أن يعبر الإنسان عغن حبه فى صور ذات قيمة اجتماعية عالية كالفنون أو الآداب أو السلوكيات الإجتماعية الراقية كالإيثار ورعاية الأطفال والمسنين والضعفاء) . كان فرويد يرى أنه لاشى اسمه الحب وإنما هو الجنس , وبالتالى حاول أن يمسح من تاريخ البشرية شيئاً اسمه الحب على اعتبار أنه وهم أو هو وسيلة فقط للوصول إلى الجنس وأن كل الغزل والأشعار والفنون ماهى إلا مقدمات للجنس , أى أن الجنس هو الأصل والحب هو الفرع . وقد كان وراء هذا الرأى وغيره موجات من الإنفجار والإنحلال الجنسى بكل أنواعه , فهل ياترى كان هذا الكلام صحيحاً , وما مدى صحته بشكل خاص فى العلاقة الزوجية ؟ دون الدخول فى تنظيرات معقدة أو محاولات فلسفية نحاول ان نرى مساحة كل من الحب والجنس فى الوعى الانسانى وارتباطات كل منهما . الجنس ( فى حالة انفصاله عن الحب ) فعل جسدى محدود زماناًًًً ومكاناً ولذة , أما الحب فهو احساس شامل ممتد فى النفس بكل أبعادها وفى الجسد بكل أجزائه , وهو لا يتوقف عند حدود النفس والجسد بل يسرى فى الكون فيشيع نوراً عظيماً . الجنس حالة مؤقتة تنتهى بمجرد إفراغ الشهوة , أما الحب فهو حالة دائمة تبدأ قبل إفراغ الشهوة وتستمر بعدها , فالشهوة تعيش عدة دقائق والحب يعيش للأبد . والرغبة الجنسية قد تذبل أو تموت فى حالة المرض أو الشيخوخه , ولكن الحب لايتأثر كثيراً بتلك العوارض فى حالة كونه حباً أصيلاً . الحب غاية والجنس وسيلة الحب شعور مقدس , والجنس ( فى حالة أنفصاله عن الحب ) ليس مقدساً . الحب يخلق الرغبة فى الاقتراب الجميل والتلامس الرقيق والتلاقى المشروع تحت مظلة السماء ويأتى الجنس كتعبير عن أقصى درجات القرب . المحبون ليسوا متعجلين على الجنس كهدف ... وإنما يصلون إليه كتطور طبيعى لمشاعرهم الفياضة وبالتالى حين يصلون إليه يمارسونه بكل خلجات أجسادهم وبكل جنبات أرواحهم , وحين تحدث الشهوة يهتز لها الجسد كما تهتز لها الروح . الجنس فى كنف الحب له طعم آخر مختلف تراه فى نظرة الرغبة الودودة قبله وأثناءه وتراه فى نظرة الشكر والإمتنان ولمسات الود من بعده . الحب هو التقاء انسان ( بكل أبعاده ) بإنسان آخر ( بكل أبعاده ) ...... رحلة من ذات لذات .. عبور للحواجز التى تفصل بين البشر .. أما الجنس ( المجرد من الحب ) فهو التقاء جسد محدود بجسد محدود , وأحيانا لا يكون التقاء جسد بجسد بل التقاء عضو جسدى بعضو جسدى أخر . وفى ظل الحب يتجاوز الجنس كثيراً من التفاصيل فتصبح وسامة الرجل أو فحولته غير ذات أهمية , ويصبح جمال وجه المرأة أو نضارة جسدها شيئا ثانويا .. الأهم هنا هو الرغبة فى الاقتراب والالتقاء والذوبان . حين يلتقى اثنان فى علاقة غير مشروعة ومنزوعة الحب فإنهما يكرهان بعضهما , وربما يكرهان أنفسهما بعد الإنتهاء من هذه العلاقة الآثمة ويحاول كل منهما الإبتعاد عن الآخر والتخلص منه كأنه وصمة ... أما فى حالة اللقاء المشروع فى كنف الحب فإن مشاعر المودة والرضا والإمتنان تسرى فى المكان وتحيط الطرفين بجو من البهجة السامية . فى وجود الحب الحقيقى وفى ظل العلاقة الزوجية المشروعه لا يصبح لعدد مرات الجماع أو أو أوضاعه أو طول مدته أو جمال المرأة أو قدرة الرجل , لا يصبح لهذه الأشياء الأهمية القصوى , فهى أشياء ثانوية فى هذه الحالة , أما حين يغيب الحب تبرز هذه الأشياء كمشكلات ملحة يشكو منها الطرفان مر الشكوى , أو يتفنن فيها ممارسى الجنس للجنس فيقرأون الكتب الجنسية , ويتصفحون المجلات , ويشاهدون المواقع الجنسية بحثاً عن اللذة الجسدية الخالصة , ومع ذلك فهم لا يرتوون ولا يشعرون بالرضا أو السعادة , لأن هذه المشاعر من صفات الروح , وهم قد جردوا الجنس من روحه .. وروح الجنس هو الحب المقدس السامى .. فالباحثين عن الجنس للجنس أشبه بمن يشرب من ماء البحر . وفى وجود الحب يسعى كل طرف لإرضاء الآخر بجانب إرضاء نفسه أثناء العلاقة الجنسية , بل إن رضا أحد الطرفين أحيانا يأتى من رضا الطرف الأخر وسعادته , فبعض النساء مثلاً لا يصلن للنشوة الجنسية ( الرعشة أو الإرجاز ) ولكن الزوجة فى هذه الحالة تسعد برؤية زوجها وقد وصل الى هذه الحالة وتكتفى بذلك وكأنها تشعر بالفخر والثقة أنها أوصلته الى هذه الحالة كما تشعر بالسعادة والرضا انها أسعدته وأرضته ويشعر هو أيضاً بذلك .. أما فى غياب الحب فتتحول العلاقة الجنسية إلى استعراض جنسى بين الطرفين فتتزين المرأة وتتفنن فى إظهار مفاتنها لتسعد هى بذلك وترى قدرتها على سلب عقل الرجل وربما لا تشعر هى بأى مشاعر جنسية أو عاطفية فهى تقوم بدور الإغراء والغواية فقط ... وأيضاً الرجل نجده يهتم بإستعراض قدرته فقط أمام المرأة , وإذا لم تسعفه قدرته الذاتية استعان بالمنشطات لكى يرفع رأسه فخراً ويعلن تفوقه الذكورى دونما اهتمام إذا ما كانت هذه الأشياء مطلباً للمرأة أو إسعاداً لها أم لا , المهم أن يشعر هو بذاته . فى وجود الحب لايؤثر شيب الشعر ولا تجاعيد الوجه ولا ترهلات الجسم , فلقد رأيت من خلال مهنة العلاج النفسى أزواجا فى الثمانينات من عمرهم يشعرون بإشباع عاطفى وجنسى فى علاقتهما حتى ولو فشلا فى إقامة علاقة كامله , فى حين أن هناك فتيات فى ريعان الشباب يتمتعن بجمال صارخ ولكنهن يعجزن عن الاشباع الجنسى لهن أو لغيرهن على الرغم من علاقاتهن المتعددة , لأن تلك العلاقات تخلو من الحب الحقيقى والعميق اللازم للإشباع . فالجنس لدى المحبين نوع من التواصل الوجدانى والجسدى , وبالتالى فهو يحدث بصور كثيرة ويؤدى إلى حالة من الإشباع والرضا , فقد حكى لى أحد المسنين ( حوالى 80 سنة ) بأن متعته الجسدية والعاطفية تتحقق حين ينام فى السرير بجوار زوجته (75سنة ) فتلمس ساقه ساقها لا أكثر , فالاشباع هنا ليس اشباعاً فسيولوجياً فقط وإنما هو نوع من الإرتواء النفسى يتبعه إشباع فسيولوجى أو حتى لا يتبعه فى بعض الأحيان فيكون الإرتواء النفسى كافياً خاصة حين يتعذر الاشباع الفسيولوجى بسبب السن أو المرض . وهذا المستوى من الوعى الإنسانى والوجدانى ومن الثراء فى وسائل التواصل والتعبير يحمى الرجل والمرأة من مخاوف الكبر والشيخوخة لأنه يعطى الفرصة للإستمرار حتى اللحظات الأخيرة من العمر فى حالة التواصل الودود المحب , بل ربما لا نبالغ اذا قلنا أن الزوجين المحبين ذوى الوعى الممتد يشعران بأن علاقتهما ممتدة حتى بعد الموت فهما سيلتقيان حتماً فى العالم الآخر ليواصلا ما بدآه فى الدنيا من علاقة حميمة فى جنة الله فى الآخرة , وهذا هو أرقى مستويات الوعى الإنسانى وأرقى مستويات العلاقة الحميمة التى يتزاوج فيها الحب والجنس. بين الصداقة والحب : حدث خلط كبير بين الصداقة والحب خاصة فى العصر الحديث الذى حدث فيه اختلاط شديد وذابت الكثير من الحدود بين الرجال والنساء نظرا للحضور القوى للمرأة فى كل مكان وتفاعلها مع الرجال لفترات طويلة وعلى مستويات متعددة فى أماكن العمل والترفيه وغيرها . وقد دفع هذا عالم النفس "دافيس " لأن يفرق بين الصداقة والحب حتى يكون الناس على وعى بحدود كل منهما , فالصداقة عنده تشمل : الإستماع والمساعدة والإحترام والتلقائية والتقبل والثقة والفهم والإفصاح عن الذات . أما الحب فهو يشمل كل هذه العناصر المتضمنة فى الصداقة ولكن يضاف إليها عنصرين أساسيين لايكون الحب إلا بهما وهما : * الشغف : وهو يتضمن : 1 – الإفتتان : وهى حالة من المشاعر الطاغية تجاه المحبوب . والمحب يرى كل الصفات الجميلة فى محبوبه ولا يرى فيه عيبا , بل إن ما يراه الناس عيبا فى محبوبه يراه هو ميزة كبيرة , وإذا حدث ورأى عيبا فإنه مستعد للتغاضى عنه وغفرانه بسرعة وسهولة , لأنه يرى محبوبه أجمل الناس وأفضل الناس , والإفتتان يتجاوز كل اعتبارات العقل والمنطق والحسابات . 2 - التفرد : وهو الرغبة فى الإنفراد بالمحبوب بعيدا عن كل الناس , ومحاولة الإستئثار به 3- الرغبة فى الإقتراب الحسى : بالتلامس والتعانق وغيرها * العناية : وهى تتضمن : 1 – تقديم أقصى ما يمكن للمحبوب : والمحب يكون على استعداد لبذل وقته وجهده وماله وربما نفسه فى سبيل محبوبه , ويجد سعادة كبيرة فى ذلك . 2 – الدفاع والمناصرة : فالمحب يسخر نفسه للدفاع عن محبوبه ومناصرته فى كل المواقف حتى ولو كان مخطئا , بل إنه يراه محقا دائما ولذلك يدافع عنه وبنصره فى كل المواقف إذن فالحب = صداقة + شغف (افتتان وتفرد ورغبة فى الإقتراب الحسى) + عناية (تقديم أقصى ما يمكن والدفاع والمناصرة ) والبعض يتساءل : هل يمكن أن تكون هناك صداقة بين رجل وامرأة ؟ ... والإجابة هى أن الصداقة بين الرجل والمرأة ستشكل قاعدة يمكن أن يقوم عليها الحب فى أى لحظة , لهذا إذا كان قيام الحب سيشكل مشكلة قيمية أو اجتماعية أو دينية فإن الصداقة هنا ستحمل مخاطر التحول إلى حب , وهذا التحول ربما يحدث تدريجيا دون وعى أو سيطرة من الطرفين أو أحدهما , خاصة إذا كانت هناك فرصا كثيرة للإلتقاء والتحاور والإقتراب . وقد تكون لنا سيطرة عند مستوى الصداقة ولكن هذه السيطرة نفقدها كليا أو جزئيا عن مستوى الحب , ولهذا وجب التنويه . بين الحب والإفتتان : رأته لأول مرة فأحست بمشاعر غامرة اهتز لها كيانها فهو فارس أحلامها الذى انتظرته من سنين , ولم تتملك نفسها واقتربت منه وتبادلا التليفونات وبدأت العلاقة التى اتسمت من أول لحظة بأنها صاخبة ومشحونة بالمشاعر ومليئة فى نفس الوقت بالمشكلات , فعلى الرغم من حبهما الجارف إلا أن بينهما خلافات واختلافات عميقة , وهم كثيرى الخصام وكثيرى العودة مرة أخرى لأسبا ب تبدو معقولة فى بعض المرات وتبدو تافهة فى مرات أخرى . وكثيرا ما قررا الإنفصال ولكنهما يعودا مرة أخرى على وعد بتصحيح أوضاع لا تصحح أبدا , وهكذا بلا نهاية يختلط لديهما الحب الجارف بالخلافات المؤلمة , فهما بكل المقاييس مختلفين نفسيا واجتماعيا وماديا , ومع هذا مرتبطين عاطفيا بشدة غير مفهومة . هذا نموذج لحالة افتتان يغيب عنها الأبعاد المنطقية والراسخة للحب , والإفتتان علاقة تأتى فجأة وعفوية على عكس الحب الذى يحتاج وقتا كافيا لينمو ويحتاج فترة حضانة يخرج بعدها قويا فتيا قابلا لأن يعيش ويسعد الطرفين . وفى الإفتتان يحب الشخص حالة الحب أكثر مما يحب الآخر , والآخر هنا ما هو إلا مرآة مناسبة يرى فيها حالة حبه ويتعلق بها , فالمفتتن هنا يسعد بطقوس الحب من اتصالات ولقاءات وخصام وعتاب وعودة ولقاء وفراق وغيرها . وفى الإفتتان نجد اختلافات شديدة بين الطرفين ونجد علامات التوافق قليلة أو منعدمة بينما فى الحب نجد مساحات هائلة للتوافق والإتفاق ونجد توحدا بين الإثنين فى مواقف كثيرة فهما يشعران معا ويفكران معا ويتحركان معا فى حين أنه فى الإفتتان نجد الشخصين يسيران فى عكس الإتجاه لكل منهما .والمفتتن يعيش حالة من القلق وحالة من الحرمان ويحلم بأشياء ويتمنى أشياء لا تتحقق , أما المحب الحقيقى فيشعر بحالة من السكينة والطمأنينة ويشعر بالإرتواء والرضا , ويرى أن أحلامه وأمنياته يتحقق منها الكثير وما تبقى هو فى طريقه إلى التحقيق ولهذا نجده يعيش حالة من الطمأنينة والسلام مع نفسه ومع من حوله . والمفتون قد يصيبه اليأس والإحباط من تصرفات الطرف الآخر فتتدهور أحواله ويفقد طموحه فى الحياة ويزهد الطعام والشراب وتتدهور صحته ويعيش فى حالة من الذهول وربما يهيم على وجهه (كما فعل قيس بن الملوح) , أما المحب فإن نفسه تمتلئ بالأمل والتفاؤل ويرتفع طموحه وتزيد لديه الرغبة فى العمل وتزدهر ملكاته وقدراته , ويحاول أن يفعل أشياء عظيمة ونبيلة ليرضى بها محبوبه ويكون عند حسن ظنه , ففى الحب يسعى كل طرف للإرتقاء ولإسعاد الآخر فى حين نجد فى الإفتتان حالة من التدهور والعذاب المتبادل .والإفتتان يتميز بمشاعر هائلة ومشتعلة وجارفة تمتزج برغبات جسدية متعجلة وهى قابلة للتغير بسرعة وربما الإنطفاء بسرعة على غير المتوقع , فى حين نجد مشاعر الحب أكثر هدوءا وأطول عمرا وتنمو بقوة وثبات مع الوقت ولا تتعجل تحقيق الرغبات الجسدية أو الوصال الحسى ولكن تتركها تحصل فى وقتها الطبيعى وبتطور منطقى تكاملى . وتحدث المشكلات حين يقرر طرفين مفتونين أو أحدهما البدء فى علاقة خطبة أو زواج فهنا يكون التسرع تحت إلحاح عواطف مشتعلة أو رغبات جسدية متعجلة , أو رغبة فى الإعتماد على طرف آخر والإئتناس به , أو التخلص من واقع مؤلم أو حياة أسرية غير سعيدة وغير مستقرة , أو حياة نفسية مضطربة قوامها القلق أو الإكتئاب , لكل هذه الأسباب نجد اندفاعا محموما ورغبة غير متعقلة للإرتباط بين الطرفين , وعناد يعمى العين عن علامات عدم التوافق البادية بينهما , وهذا العناد يجعل الطرفين لا يدركان صيحات التحذير من الأهل أو الأصدقاء , فالمفتونون يكتفون بمشاعرهم فقط كمبرر للإرتباط ولا ينظرون إلى بقية عولمل التوافق والإتفاق , أما المحبون فهم غير متعجلين فى الإرتباط وتبقى لديهم القدرة على رؤية وتفعيل العوامل الأخرى للتوافق مثل النواحى العقلية والإجتماعية والإقتصادية والدينية , والإهتمامات المتماثلة للطرفين , ورعاية طموحات وأمنيات ومشروعات كل طرف بحب واتزان , ونجد كل طرف محب للطرف الآخر وحريص على إسعاده . والإفتتان عواصف طاغية وأمواج عاتية سرعان ما تزول بعد أن تكون قد أحدثت مآس كثير لدى من تعرضوا لها , أما الحب فهم نسمة رقيقة وماء عذب سلسبيل تحيا بهما النفوس المحبة وتسعد , وترقى بها الحياة . مستويات الحب : * جعل أفلاطون الحب درجات متصاعدة كالتالى : 1- حب الشخص أو الشئ الجميل 2- حب ماهو أجمل فى الأشخاص أو الأشياء 3 – حب الجمال فى المعانى لا فى المحسوسات 4 – حب الجمال الإلهى * والحب عند الصوفية يبدأ مباشرة من أعلى , وهو الحب الإلهى , متجاوزا الذات وسائر الموضوعات الأخرى : ويستخدم الصوفية أسماءا وحالات ومستويات للحب الإلهى نذكر منها : 1 – المحبة : وهى أن تهب كلك لمن أحببت فلا يبقى لك منك شئ 2 – العشق : هو أقصى درجات المحبة , ومعناه اتحاد ذات المحبوب بذات المحب اتحادا يوجب غفلة المحب شغلا بشهود محبوبه فى ذاته بذاته , ولذا قيل : إن العشق أقصى مقامات الذهول والغيبة 3 – الغرام الإنتشاء من خمر المحبة 4 – الإفتتان : خلع العذار وعدم المبالاة بالخلق 5 – الوله : مقام الحيرة 6 – الدهش (بفتح الهاء وتسكين الشين) : الذهول 7 – الفناء عن رؤية النفس : حيث نرى العاشق لا يسمع إلا لمحبوبه , ولا يبصر إلا به , ولا يدرك إلا به وله ومنه , فناءا به عن نفسه وعن الأشياء . ويلاحظ أن الصوفية يستخدمون نفس الألفاظ التى يستخدمها سائر المحبون ولكن بمعان أخرى تتصل بالذات الإلهية والفناء فى حبها والخروج من دائرة الذات إلى الدوائر الأوسع . * الحب عند علماء النفس : ويقسم فرويد الحب إلى نوعين : 1 – الحب النرجسى : وهو أن يحب الإنسان ذاته وكل ما يتعلق بها أو يخدمها , وهنا يبحث الإنسان عمن يشبه صفاته أو يحقق رغباته . 2 – الحب الموضوعى : وفيه يحب الإنسان شخصا أو شيئا خارج حدود ذاته , وهنا لا يتشابه المحبوب مع المحب بقدر ما يتكامل معه . ويقسم إريك فروم الحب ( فى كتابه فن الحب) إلى 5 أقسام : 1 – حب الذات 2 – الحب الأخوى ( الإخوة حقيقة أو مجازا) 3 – الحب الأبوى ( الأبوة حقيقة أو مجازا) 4 – الحب الشبقى 5 – الحب الإلهى وهناك تقسيم للحب حسب الخريطة النفسية كما يلى : 1 – الحب الجسدى : وهو تعلق بجمال الجسد وتكوينه وتناسقه أو جاذبيته وقدرته على الإثارة 2 – الحب العاطفى : وفيه اهتمام بالغ بالمشاعر والحالات الرومانسية التى تتجاوز تفاصيل الجسد وتعلو على الرغبات الحسية 3 – الحب العقلى : حيث يرى المحب فى عقل محبوبه متعة التوافق الفكرى وحلاوة التواصل العقلى فيتحدثان ويتحاوران لساعات طويلة , ويجد كل طرف لدى الآخر قدرا هائلا من الفهم والتفهم , ويستمتعان معا بالإنصات المتبادل والحديث الشيق .ويكثر هذا النوع لدى المثقفين وأصحاب المذاهب الفكرية والفلسفية . 4 – الحب الروحى :وهو حب متسام عن الرغبات الجسدية والإحتياجات العاطفية والعقلية , وفيه يحلق الطرفان معا فى آفاق عالية من الروحانيات التى قد تأخذ شكلا دينيا عند المتدينين والمتصوفة منهم بشكل خاص , أو تأخذ شكلا فنيا أو أدبيا عند الفنانين والأدباء . وقد يتحاب اثنان على مستوى واحد أو على أكثر من مستوى , وقد يتحابان على كل المستويالت . وقد يحب طرف طرفا آخر على أحد المستويات ويستكمل بقية المستويات من طرف ثالث أو أكثر . وهذا يفسر لنا صفة التعددية فى الحب خاصة عند الرجال . * والعرب يضعون الحب فى مستويات وحالات لكل منها اسما دالا عليها مثل: 1- الهوى : التوجه إلى المحبوب 2 – العلاقة : هى الحب يلزم صاحبه , وهى تعلق النفس بالمحبوب 3 – الكلف : هو المرتبة الثالثة فى الحب , وأصل الكلمة من الكلفة ( بضم الكاف وتسكين اللام ) وهى المشقة 4 – العشق : فرط الحب , وقيل هو الحب مقترن بالشهوة 5– الشغف : وهو الحرقة يجد فيها المحب لذته فى الحب , ومثلها اللوعة . 6 – الجوى : الهوى الباطن وشدة الوجد من العشق 7 – التتيم : وهو أن يستعبده الحب 8 – التبل (بفتح التاء والباء) : وهو أن يسقمه الحب ويمرضه 9 – الوله (بفتح الواو واللام) : وهو ذهاب العقل فى الهوى 10 – الصبابة : رقة الشوق إلى المحب 11 – الومق ( بفتح الواو والميم) : شدة المحبة 12 – الوجد : الحب الذى يتبعه حزن 13 – الشجن : حب فيه الهم 14 – الشوق والإشتياق : نزاع النفس إلى الشئ 15 – الوصب : ألم المحبة 16 - السهر والأرق والكمد : قد تكون من لوازم الحب والشوق 17 – الخلّة (بضم الخاء وتشديد اللام) : توحيد المحبة , وهى رتبة لا تقبل المشاركة 18 – الود : خالص المحبة 19 – الغرام : الحب اللازم للشخص 20 – الإفتتان : يأتى عفويا وفجأة , وحو حب لحالة الحب أكثر منه حب للشخص ذاته وهذه التعددية للأسماء والمستويات والحالات الخاصة بالحب عند العرب تعكس انشغالهم الشديد بالحب , وتعكس أيضا ثراءا لغويا هائلا قلما نجده فى أى لغة أخرى , فغالب اللغات الأخرى تعبر عن الحب بكلمة أو اثنتين أو أكثر قليلا , فى حين تعبر اللغة العربية عنه بحوالى 20 اسما ووصفا وربما أكثر . خطوط الحب : نتخيل فى خريطة الحب أن هناك خطا رئيسيا للحب بجانبه خطوط أصغر متوازية وحوله خطوط متفرعة أو متقثاطعة . وتتوزع موضوعات الحب على هذه الخطوط فبعضها يدخل على الخط الرئيسى والبعض الآخر يتوزع على الخطوط الموازية أو المتفرعة أو المتقاطعة . والإنسان –فى حالة كونه ناضجا – يستطيع أن يستقبل موضوعات متعددة للحب على هذه الخطوط مع الإحتفاظ باختلافاتها الكمية والنوعية , ويستطيع أن يجعلها تعمل فى تناسق وتناغم دون أن يلغى بعضها البعض , ولكن غير الناضج لا يقدر على ذلك فنجده يختزل خطوط الحب فى خط واحد يبتلعه بالكامل ويفقد القدرة على السيطرة عليه . ولكل منا خريطته التى يوزع عليها موضوعات حبه , وتشكل بالتالى تفضيلاته وتوجهاته بنسبها المختلفة , ولكن تبقى الأهمية الكبرى للموضوع الذى يشغل الخط الرئيسى لأن هذا الخط يؤثر على حركة بقية الخطوط وأحيانا يلغيها وأحيانا يدعمها. والخط الرئيسى قد يشغله حب الله , وقد يشغله حب المال أو حب النساء أو حب المخدرات أو حب الشهرة أو حب المناصب , وهنا نجد أن الشخصية تتوجه بكل ملكاتها وقدراتها نحو المحبوب الذى شغل الخط الرئيسى , وقد تضمر بقية الخطوط أو تتلاشى لحساب الخط الرئيسى وقد تبقى ولكنها تتأثر حتما بالخط الرئيسى وبالمحبوب الذى شغله . والوضع الأمثل والأقرب للصحة النفسية (فى رايى الشخصى) هو أن يخصص الخط الرئيسى لحب الله ثم توزع المحبوبات الأخرى على بقية الخطوط الفرعية , فهذا التوزيع يضمن للإنسان التوازن والإنسجام , وهذا ليس تعصبا لفكرة دينية بقدر ماهو رؤية موضوعية لضمان عوامل الثبات والإستقرار , فالله هو المحبوب الوحيد المطلق الذى لا يتغير ولا يتبدل ولا يحول ولا يزول , أما غيره من المحبوبات فإنها جميعا نسبية وقابلة للزوال والتغيير لامحالة , إما بالموت أو الضياع أو الهجر , ولهذا تهتز التركيبة النفسية وتتزلزل حين تفقد أحد هذه المحبوبات القابلة للفناء أو الضياع أو التحول إذا كان أحد هذه المحبوبات يحتل الخط الرئيسى للحب , والذى هو مخصص فى الأساس لحب الله المطلق والدائم . ومن هنا كان الصالحون والزهّاد يتحدثون عن قطع العلائق الدنيوية , وهو يعنى إخلاء الخط الرئيسى لمحبة الله وعدم التورط فى محبوبات زائلة تشغل هذا الخط الهام ثم تزول أو تتحول فى لحظة فتترك الإنسان عبارة عن حطام ,لأن هذا الخط الرئيسى للحب هو صمام الأمان وعامل التوازن للشخصية . والأمثلة فى حياتنا كثيرة حين نرى أشخاصا يتعلقون بأشخاص آخرين أو بأشياء دنيوية أخرى إلى حد العبادة (كما يصفون ذلك فى أشعارهم وأغانيهم) وحين يفتقدون هذه التعلقات ( وهذا لابد وأن يحدث بالضرورة للإشخاص والأشياء ) يسقطون صرعى للإحباط والضياع , وهؤلاء ينطبق عليهم قول الله تعالى "الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا " , وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :"عش ماشئت فإنك ميت وأحبب من شئت فإنك مفارقه " . والتوحيد فى معناه النفسى يعنى إفراد الله سبحانه وتعالى بالحب (على الخط الرئيسى الذى لا يلغى أنواعا أخرى من الحب المحمود على خطوط تابعة أو فرعية) , والشرك هو أن يزاحم حب الله حبا لغيره على الخط الرئيسى للحب . وهكذا تبدو أهمية خريطة الحب كوسيلة للسعادة والنجاة فى الدنيا والآخرة , حتى لا تبتلعنا محبوبات زائلة تشقينا وتستنزف قوان وتستعبدنا ثم تتركنا فى لحظة غدر أو هجر فنقع فى هاوية الضياع .أقول هذا وأنا أرى كل يوم أعمارا تضيع فى تعلقات زائلة , وإخلاصا شديدا لمحبوبات تافهة أو عابرة أو خادعة , وإعلانا صريحا عن العشق الذى يصل لدرجة العبادة لتلك المحبوبات , والذهول فى نفس الوقت عن المحبوب الأكبر والأعلى , ألا هل بلغت اللهم فاشهد . دكتور / محمد المهدى </blockquote> | |
|