لا يفتى ومالك في المدينة
وهذا سبب قول المقولة
بينما
الإمام مالك بن أنس -طيّب الله ثراه- في مسجد رسول الله -صلى الله عليه
وسلّم- يفقّه الناس في دينهم، إذ وفد عليه وفد من المسلمين يستفتونه في
أمرٍ عظيم!! عجز عن حلّه العلماء، وتوقّف عن بيانه أكابر الفقهاء! فقد ماتت
امرأة من المسلمين فتولّت غسلها إحدى المسلمات، وبينما هي كذلك سوّلت لها
نفسها بالسوء، فظنّت أنّه لا سميع ولا بصير ولا حسيب ولا رقيب، فاتّهمت
البريئة المسجّاة بالفاحشة، وهي تتقلّب في يدها يمنة ويسرة، لا تملك لنفسها
ضرًّا ولا نفعاً، فقالت، وبئس ما قالت: ألا كم زنت هذه المرأة!.
وما
كادت تنطق بهذه الكلمة القاتلة التي هي أشد على النفس من سهام النبال
وطلقات الرّصاص إلاّ وتلتصق يدها في جسد الميّتة! فيطير لبّها ويعلو
صراخها، ويرتفع عويلها، ويأتي الرّجال الأشداء لنزع يدها لكنّها لا تنتزع،
فشكوا أمرها إلى أكابر علماء المدينة فما وجدوا بُدًّا من الإفتاء بقطع
يدها!!.
وعندما سمع مالك بن أنس هذه الحادثة وهذه الفتوى قال بتؤدة
متعجّباً: سبحان الله… سبحان الله! إن الله -جلّ في علاه- إنّما شرع قطع
اليد للسّارق والسّارقة… أمّا هذه المرأة يا قومي فإنّها قاذفة، والقذف أن
يتّهم المسلم بالفاحشة، وعقوبته في الشرع ثمانون جلدة. ثمّ قال: إن كنتم
تريدون أن ترتفع يدها عن جسد المرأة فاذهبوا واجلدوها ثمانين جلدة. خاصّة
أن أهل المتوفّاة قد جاءوا يطلبون بحقّها.
وكلّما قطع القوم شوطاً من
الجلد نزعوا يدها لكنّها لا تنتزع، وعندما وصل العدُّ إلى الثّمانين ارتفعت
اليد عن الجسد دون ما جهد أو كد، فصاح النّاس مهلّلين مكبّرين، حامدين
الله وشاكرين.
وأخذت المرأة تذرف العبرات، لا تدري أهي دموع ألم السّياط التي لعبت على جسدها، أم هي دموع الفرحة، فرحة النّجاة؟!.
وبينما
القوم كذلك تملؤهم الفرحة ويغمرهم السّرور إذ نادى من علٍّ في الناس
منادٍ، فالتفتوا إليه جميعاً فإذا به وبأعلى صوته يردّد: ألا لا يفتى ومالك
في المدينة. فردّ عليه القوم: صدقت… صدقت… لا يفتى ومالك في المدينة.