اسم الشاعـــر :
اختلف الرواة في اسم
شاعرنا البطل ، و تعددت الروايات ، و كل رواية تدعم نفسها أو تستند إلـى
بيت من الشعر . أما من أين أتت بهذا البيت الشعري ، فلا أحد يدري . أو
تستند إلى واقعة تزعـم أنها حدثت . لكن الباحث المتمعن يدرك بدون مشقة أن
كل شيء جائز ، و أنه ما من روايـــة صحيحة تماماً ، بل قد تكون موضوعة
لتحقيق غرض معين .
?و هذه هي الروايات التي تطرقت إلى اسم شاعرنا .
1 – ذهبت رواية إلى أن اسم شاعرنا هو امرؤ القيس و استشهدت ببيت من الشعر يقول :
ضربت صدرها إليّ و قالت --- يا امرأ القيس حان وقت الفراق
و بالبيت القائل :
و امرئ القيس ميت ما كرم أو --- دي و خلى عليَّ ذات العراقي
?إذ ذهب بعضهم إلى أن امرأ القيس المذكور هنا هو المهلهل ، و أن قائل هذا البيت هــو عدي بن ربيعة شقيق مهلهل .
2 – و ذهبت رواية أخرى إلى أن اسمه عدي ، و استشهدت بالبيت الشعري الأول نفسه مع تعديـل بسيط ؟ ! .
ضربت صدرها إليَّ و قالت : --- يا عدياً لقد وقتك الأواقي
و ببيت الحارث بن عباد :
لهف نفسي على عدي و لم أعرف --- عدياً إذ أمكنتني منه اليدان
3 – و ذهبت رواية ثالثة إلى أن مهلهلاً هو امرؤ القيس و هو عدي بن ربيعة .
?و اختلف في سبب بمهلهل ، فقيل إنه سمي كذلك لأنه كان يهلهل الشعر ، أي
يرققـــه ، و ذهب فريق آخر إلى أنه سمي بهذا الاسم لبيت شعر قاله :
لما توعر في الكراع شديدهم --- هلهلت أثأر جابراً أو صنبلا
و قبل إن سبب تسميته بمهلهل هو هلهلة شعره كهلهلة الثوب أي اضطرابه و اختلافه .
بعد التمعن في هذه الروايات تجمعت لدينا الملاحظات التالية :
- البيت الشعري " لما توعر في الكراع .. " غير موجود في قصيدة معروفة لمهلهل ، بــل
بيت قائم بذاته ، الأمر الذي يطرح مسألة كونه موضوعاً و يقلل من مصداقيته .
و لعل أسوأ ما في هذا البيت شرح كلمة " هلهلت " التي زعموا أن شاعرنا
الفارس المغوار أو فارسنا الشاعر سمـي بها . إذ هلهلت أثأر تعني كدت أثأر ،
فماذا يعني هذا الشرح ؟ ! أن فارسنا الذي دوخ بكراً وفتـك بأبطالها اسمه "
الذي كاد " أو " الذي كاد يثأر " ؟ ! .
- مهلهل بن ربيعة معروف
كفارس ، كشريف ، ابن ربيعة سيد قبيلة تغلب ، و شقيق كليـب ملك تغلب و بكر
أكثر مما هو معروف كشاعر . و من يقرأ شعره يجد أن معظمه مرتبط بكليـب و
الثأر ، و هو شعر قليل و قليل جداً إذا استبعدنا القصائد المنحولة أو
المشكوك فيها . فلماذا يشتهر بلقب له علاقة بهذا القدر من الشعر و لا يشتهر
باسمه أو بلقب مستمد من عالم الفروسية ؟ وهـب أن بكراً هب التي أطلقت عليه
هذا اللقب .، و هو لقب سلبي مهين ، فمن ينعت شعره بالهلهلـة أي بالاضطراب
ليس بشاعر فحل ، بل ليس بشاعر جيد ؟ و حتى ترقيق الشعر ليس بالأمر الـــذي
يفتخر به ؟ فهل يرضى به فارسنا ؟ ! و هل ترضى به قبيلة تغلب ؟ ! .
- قيل اسمه امرؤ القيس و قيل اسمه عدي . و الواقع أن هذين الاسمين غير
موجودين إلا في أبيات شعرية لا ندري أهي صحيحية أم موضوعة . فلو كان أحدهما
اسمه فلماذا لم يكـن متداولاً و هو الذي خاض حرباً دامت أربعين سنة ؟ و هل
من المعقول أن لا يعرف اسمه حتى يختلف فيما بعد فيه ؟ هنا لا نستطيع إلا
أن نتساءل عما إذا لم يكن الرواة القصاصون قد وضعوا هذه الأبيـات الشعرية ،
ثم جاء الأدباء و الباحثون في الشهر و الشعراء فاستنتجوا منها خطأ أن اسم
فارسنــا أحدهما أو كلاهما ؟ . بل نستطيع أن نتساءل عما إذا كانت هذه
الأشعار قد وضعت أصلاً للتأكيد أن اسم شاعرنا الفارس ليس مهلهلاً بل عدي أو
امرؤ القيس ؟
-عند بحثنا في مادة هلهل وقعنا على كلمة الهلهل و
تعني السم ، فلماذا لا يكون اسم مهلهـل مشتق من هذه الكلمة ، أي أنه الذي
يذيق الأعادي السم القاتل ؟ . و هو أمر ينسجم مع وقائع حياة مهلهل في حرب
البسوس ، و ينسجم أيضاً مع توجه العرب الذين كانوا يسمون أولادهم بشـــر
الأسماء لإرهاب الأعداء إذ " يحكى أنه قيل لأبي الدقيس الكلابي لم تسمون
أبناءكم بشر الأسمـاء نحو كلب و ذئب ، و عبيدكم بأحسن الأسماء نحو مرزوق و
رباح ؟ فقال : إنما نسمي أبناءنـــا لأعدائنا و عبيدنا لنفسنا " . و يرجح
ما نذهب إليه أن كلمة أو اسم مهلهل ليست لقباً ، على ما يبدو ، و كما خيل
إلى المولعين بالقصص و الروايات ، بل هي اسم معروف و متداول ، و في كتـاب
الأغاني ذكر لكثر من شخص بهذا الاسم ، فهناك المهلهل بن زيد الخيل ، و هناك
المهلهل بن يزيد .
-و من جهة أخرى تبدو الحادثة التي استند إليها
من ادعى أن اسم فارسنا عدي أقرب إلـى الحدث الروائي منه إلى الحدث الواقعي
. فقد قيل إن الحارث أسر مهلهلاً " بعد انهزام و هـــو لا يعرفه ، فقال له
: دلني على المهلهل . قال : و لي دمي ؟ فقال : و لك دمك . قال : و لي ذمتك
و ذمة أبيك ؟ قال : نعم ذلك لك . قال المهلهل – و كان ذا رأي و مكيدة –
فأنا مهلهل ! خدعتك عن نفسي ، و الحرب خدعة . فقال : كافئني بما صنعت لك
بعد جرمك ، و دلني على كفء لبجير . فقال : لا أعلمه إلا امرأ القيس بن أبان
، هذاك علمه . فجز ناصيته و أطلقه ، و قصد قصــد امرئ القيس فشد عليه
فقتله ، فقال الحارث في ذلك :
لهف نفسي على عديًّ و لم أعـ --- ـرف عدياً إذ أمكنتني اليدان
طلَّ من طل في الحروب و لم أو --- تر بجيراً أبأته ابن أبان
فارس يضرب الكتيبة بالسيـ --- ـف و تسمو أمامه العينان " .
فهل من المعقول ألا يعرف الحارث بن عباد الفارس الذي أشعل نار الحرب كل
هـــذه السنوات ؟ مع العلم أن هناك رواية تقول إن زوجة الحارث بن عباد هي
أخت مهلهل ؟ وهب أنه لم يعرفه ، و لم يستدل عليه عند إلتقاء الجمعين ! ألم
يكن بقربه أحد من فرسان بكر الذين اكتــووا بناره يكشف هوية مهلهل له و
يدله عليه ؟ ! ! .
و هل هذا الشعر صحيح أم وضع ليتلاءم مع القصة جرياً على عادة الرواة و القصاصيـن في تحلية النثر بالشعر ؟ ! .
أليس عنصر التشويق واضحاً و جلياً في هذه الحادثة التي نرجح روايتها ؟ .
- بطل يقع في الأسر .
- يحتال البطل و يكيد له .
- لا يجد العدو مناصاً من إطلاقه بعد أن أقسم على ذلك .
من أجل هذه الأمور كلها ، ترانا نميل إلى الحذر من الأسماء المتداولة على
أنها اسم فارسنا البطل . و نرجح أن يكون اسمه الاسم الذي اشتهر به بين
الأعداء و الأصدقاء ، بين الجمهــور و في بطون الكتب و بين طيات سيرته :
مهلهل بن ربيعة . و لعل الصواب في ذلك ، لكن الإثبات متعذر بل مستحيل .
وفاة مهلهل :
?و نأتي إلى مسألة وفاة مهلهل . ترى كيف انتهت تلك الحياة الصاخبة . هل
مات مهلهــل حتف أنفه أم قتل ؟ و مرة أخرى تتعدد الروايات و تذهب مذاهب
مختلفة . فقد ذهبت رواية إلى أنه فارق قومه و نزل في أخواله بني يشكر إلى
أن مات .
?و ذهبت رواية ثانية إلى أن عمرو بن مالك أسره في بلاد
البحرين و أحسن معاملته ، ثـم شرب مهلهل الخمر يوماً و سكر فتغنى بأمجاد
تغلب و بأفعاله و هدد و توعد فغضب عمـــرو و حلف ألا يسقيه خمراً و لا ماء و
لا لبناً حتى يرد ربيب الهضاب و ربيب جمل له لا يأتي قبـل خمسة أيام .
فأرسلوا الخيل في طلبه فجاؤوا به و قد هلك مهلهل عطشاً .
?و ذهبت رواية أن عمرو بن مالك تحلل من قسمه ثم سقاه من ماء موبوء فمات مهلهـل .
و ذهبت رواية إلى أن مهلهلاً كبر و أسن ، فأخذ يجول في البلاد يرافقه
عبدان ، فملا منه و همـابقتله فأحس بذلك ، فسألهما أن ينقلا عنه هذا البيت
:
من مبلغ الحيين أن مهلهلا --- لله دركما و در أبيكما
فقتلاه قم عادا إلى الحي باكيين منحبين ، و قالا لابنته البيت فتفكرت فيه ثم قالت إنما أراد مهلهـل أن يقول :
من مبلغ الحيين أن مهلهلاً --- أمسى قتيلاً في الفلاة مجدلا
لله دركما و در أبيكما --- لا يبرح العبدان حتى يقتلا
فضربوهما حتى أقرا بقتله .
?و عند التمعن في هذه الروايات نراها لا تخلو من النفس الروائي الهادف إلى
التسليـــة و التشويق ، و بخاصة الرواية الأخيرة ، أما كيف مات مهلهل فلا
يسعنا الوقوف على الحقيقة ، إلا أن ما يمكن تبينه هو أنه لم يقتل في معركة .
بل كبر و أسن . و يبدو أنه مات في بني يشكر سواء أمات حتف أنفه أم قتل
بماء موبوء .
?و لم يكن تحديد سنة وفاته بالأمر الهين ، فذهب بعض
الباحثين إلى أنها كانت سنـة 500 م و ذهب فريق آخر إلى أنها سنة 525 م و
فريق ثالث جعلها 530 م و قيل بل 531 م . و كل هــذه التواريخ تشير إلى أنه
توفي في الثلث الأول من القرن السادس الميلادي .